التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ
١
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ
٢
-النجم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

سورة والنجم مكية

وآيُها إحدى أو اثنتان وستون

{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } المرادُ بالنجمِ إمَّا الثُّريَّا فإنَّه اسمٌ غالبٌ لَهُ، أو جنسُ النجومِ. وبهَوِيّه غروبُه، وقيلَ: طلوعُه، يقالُ هَوَى هَوِيا بوزن قبول إذا غربَ وهُوِيّا بوزنِ دخول إذا علا وصعِد. وأما النجمُ من نجومِ القُرآنِ فهَوِيَّهُ نزولُه، والعاملُ في إذَا فعلُ القسمِ فإنَّه بمعنى مطلقِ الوقتِ منسلخٌ من مَعْنى الاستقبالِ كَما في قولِك آتيكَ إذَا احمرَّ البُسْرُ. وفي الإقسامِ بذلكَ على نزاهتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عن شائبِه الضلال والغَوايةِ من البراعةِ البديعةِ وحسنِ الموقعِ ما لا غايةَ وراءَهُ، أما على الأولينِ فلأنَّ النجمَ شأنُه أنُ يهتدِيَ بهِ السَّارِي إلى مسالكِ الدُّنيا كأنَّه قيلَ والنجمِ الذي يَهتدِي به السابلةُ إلى سواءِ السبـيلِ.

{ مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ } أيْ ما عدَلَ عن طريقِ الحقِّ الذي هُو مسلكُ الآخرةِ. { وَمَا غَوَىٰ } أيْ وما اعتقدَ باطلاً قطُّ أيْ هُو في غايةِ الهُدى والرُّشدِ وليسَ مما تتوهمونَهُ من الضلالِ والغوَايةِ في شىءٍ أَصلاً، وأما على الثالثِ فلأنَّه تنويهٌ بشأنِ القُرآنِ كما أشيرَ إليه في مطلعِ سورةِ يس وسورةِ الزخرفِ وتنبـيهٌ على مناطِ اهتدائِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ومدارِ رشادِه، كأنَّه قيلَ والقرآنِ الذي هُو عَلَمٌ في الهدايةِ إلى مناهجِ الدِّينِ ومسالكِ الحقِّ ما ضلَّ عنَها محمدٌ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وما غَوى. والخطابُ لقريشٍ، وإيرادُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بعنوانِ صاحبـيتِه لهم للإيذانِ بوقوفِهم على تفاصيلِ أحوالِه الشريفةِ وإحاطتِهم خُبراً ببراءتِه عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ مما نُفي بالكليةِ وباتصافِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بغايةِ الهُدَى والرشادِ فإنَّ طولَ صُحبتهِم له عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ومشاهدتَهم لمحاسنِ شؤونِه العظيمةِ مقتضيةٌ لذلكَ حتْمَاً. وتقيـيدُ القسمِ بوقت الهَوِيِّ على الوجهِ الأخيرِ ظاهرٌ وأمَّا على الأولينِ فلأنَّ النجمَ لا يهتدِي به السَّارِي عندَ كونِه في وسطِ السماءِ ولا يعلمُ المشرقَ من المغربِ ولا الشمالِ من الجنوبِ وإنما يهتدِي بهِ عندَ هبوطِه أو صعودِه معَ ما فيهِ من كمالِ المناسبةِ لما سيُحكى من تدلِّي جبريلَ من الأفقِ الأَعْلى ودنوِّه منْهُ عليهما السَّلامُ، هذا هو اللائقُ بشأنِ التنزيلِ الجليلِ. وأما حملُ هَويّهِ انتثارِه يومَ القيامةِ أو على انقضاضِ النجمِ الذي يرجمُ بهِ أو حملُ النجمِ على النباتِ وحملُ هويهِ على سقوطِه على الأرضِ أو على ظهورِه منها فمما لا يناسبُ المقامَ.