التفاسير

< >
عرض

إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ
٢٣
أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
٢٤
فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ
٢٥
-النجم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنْ هِىَ } الضميرُ للأصنامِ أيْ ما الأصنامُ باعتبار الألوهيةِ التي يدَّعُونها { إِلاَّ أَسْمَاء } محضةٌ ليسَ تحتَها مما تنبىءُ هي عنْهُ من معَنْى الألوهيةِ شيءٌ ما أصلاً. وقوله تعالى { سَمَّيْتُمُوهَا } صفة لأسماء وضميرها لها لا للأصنام والمعَنْى جعلتمُوها أسماءً لا جعلتُم لها أسماءً فإنَّ التسميةَ نسبةً بـين الاسمِ والمُسمَّى فإذا قيستْ إلى الإسمِ فمعناهَا جعلُه إسماً للمسمَّى وإن قيستْ إلى المسمَّى فمعناهَا جعلُه مسمَّى للإسمِ، وإنما اختيرَ ههنا المعَنْى الأولُ من غيرِ تعرضٍ للمسمَّى لتحقيق أن تلكَ الأصنامَ التي يسمُّونها آلهةً أسماءً مجردةٌ ليسَ لها مسمياتٌ قطعاً كما في قولِه تعالى: { { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا } [سورة يوسف، الآية 40] الآيةَ لا أنَّ هناكَ مسمياتٍ لكنَّها لا تستحقُ التسميةَ وقيلَ هي للأسماءِ الثلاثةِ المذكورةِ حيثُ كانُوا يطلقونَها على تلك الأصنامِ لاعتقادِهم أنَّها تستحقُّ العكوفَ على عبادتِها والإعزازَ والتقربَ إليها بالقرابـينِ وأنتَ خبـيرٌ بأنَّه لو سُلِّم دلالةُ الأسماءِ المذكورةِ على ثبوبِ تلك المعانِي الخاصَّةِ للأصنامِ فليسَ في سلبِها عنها مزيدُ فائدةٍ بل إنَّما هي في سلبِ الألوهيةِ عنها كما هو زعمُهم المشهورُ في حقِّ جميعِ الأصنامِ على وجهٍ برهانيَ، فإنَّ انتفاءَ الموصوفِ يقتضِي انتفاءَ الوصفِ بطريقِ الأولويةِ أيْ ما هيَ إلا أسماءٌ خاليةٌ عنِ المسمياتِ وضعتُموها { أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ } بمقتضَى أهوائِكم الباطلةِ { مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } برهانٍ تتعلقونَ به { إِن يَتَّبِعُونَ } التفاتٌ إلى الغَيبةِ للإيذانِ بأنَّ تعدادَ قبائحِهم اقتضَى الإعراضَ عنهم وحكايةَ جناياتِهم لغيرِهم أي ما يتبعونَ فيما ذُكرَ من التسميةِ والعملِ بموجِبها { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } إلا توهَم أَن ما هُم عليهِ حقٌّ توهماً باطلاً { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } أي تشتهيِه أنفسُهم الأمارةُ بالسُّوءِ { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } قيلَ هي حالٌ من فاعلِ يتبعونَ أو اعتراضٌ وأياً ما كان ففيهِ تأكيدٌ لبطلانِ اتباعِ الظنِّ وهو النفسُ وزيادةُ تقبـيحٍ لحالِهم فإنَّ ابتاعَهما من أيِّ شخصٍ كان قبـيحٌ وممن هداهُ الله تعالَى بإرسالِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وإنزالِ الكتابِ أقبحُ.

{ أَمْ لِلإنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ } أمْ منقطعةٌ وما فيَها من بلْ للانتقالِ من بـيانِ أنَّ ما هُم عليهِ غيرُ مستندٍ إلا إلى توهمِهم وهَوَى أنفسِهم إلى بـيانِ أنَّ ذلكَ ممَّا لا يُجدي نفعاً أصلاً. والهمزةُ للإنكارِ والنَّفي، أي ليسَ للإنسانِ كلُّ ما يتمنَّاهُ وتشتهيِه نفُسه من الأمورِ التي من جُمْلتِها أطماعُهم الفارغةُ في شفاعةِ الآلهةِ ونظائرِها التي لا تكادُ تدخلُ تحتَ الوجودِ { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } تعليلٌ لانتفاءِ أنْ يكونَ للإنسانِ ما يتمنَّاهُ حتماً فإنَّ اختصاصَ أمورِ الآخرةِ والأُولى جميعاً بهِ تعالى مقتضٍ لانتفاءِ أن يكونَ له أمرٌ من الأمور.