التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ
٣
إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ
٤
عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ
٥
ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ
٦
وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ
٧
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ
٨
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ
٩
-النجم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي وما يصدرُ نطقُه بالقرآنِ عن هَوَاهُ ورأيهِ أصلاً فإنَّ المرادَ استمرارُ نفي النطقِ عن الهوى لا نَفيُ استمرارِ النطقِ عنْهُ كما مرَّ مِراراً.

{ إِنْ هُوَ } أي مَا الذي ينطقُ به من القرآنِ { إِلاَّ وَحْىٌ } من الله تعالى. وقولُه تعالى: { يُوحَى } صفةٌ مؤكدةٌ لوحي رافعةٌ لاحتمالِ المجازِ مفيدةٌ للاستمرارِ التجدديِّ { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } أي مَلَكٌ شديدٌ قُواهُ وهو جبريلُ عليهِ السَّلامُ فإنَّه الواسطةُ في إبداءِ الخوارقِ وناهيكَ دليلاً على شدةِ قوتِه أنه قلعَ قُرَى قومِ لوطٍ من الماءِ الأسودِ الذي هو تحتَ الثَّرى وحملَها على جناحِه ورفعَها إلى السماءِ ثم قلبَها وصاحَ بثمودَ صيحةً فأصبحُوا جاثمينَ وكانَ هبوطُه على الأنبـياءِ وصعودُه في أسرعَ منْ رجعةِ الطرفِ { ذُو مِرَّةٍ } أي حصافةٍ في عقلِه ورأيِه ومتانةِ في دينِه { فَٱسْتَوَىٰ } عطفٌ على علَّمه بطريقِ التفسير فإنَّه إلى قولِه تعالى ما أَوْحَى بـيانٌ لكيفيةِ التعليمِ أي فاستقامَ على صورتِه التي كانَ يتمثلُ بها كلما هبطَ بالوحَيْ وذلكَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أحبَّ أنْ يراهُ في صورتِه التي جُبلَ عليها وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحراءَ فطلعَ له جبريلُ عليهِ السَّلامُ من المشرقِ فسدَّ الأرضَ من المغربِ وملأَ الأفقَ فخرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنزلَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ في صورةِ الآدميـينَ فضمَّهُ إلى نفسِه وجعلَ يمسحُ الغُبارَ عن وجههِ قيلَ: ما رآهُ أحدٌ من الأنبـياءِ في صورتِه غيرُ النبـيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فإنَّهُ رآهُ فيَها مرتينِ مرةً في الأرضِ ومرةً في السماءِ وقيلَ: استوَى بقوتِه على ما جُعلَ له من الأمرِ. وقولُه تعالَى: { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } أفقِ الشمسِ حالٌ منْ فاعلٍ استوى { ثُمَّ دَنَا } أي أرادَ الدنوَّ من النبـيِّ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ { فَتَدَلَّىٰ } أي استرسلَ من الأفقِ الأَعْلى مع تعلقٍ بهِ فدنَا من النبـيِّ، يقالُ تدلّت الثمرةُ ودلَّى رجليهِ من السريرِ وأدلَى دلْوَهُ والدَّوالي الثمرُ المعلقُ { فَكَانَ } أي مقدارُ امتدادِ ما بـينَهما { قَابَ قَوْسَيْنِ } أي مقدارَهُما فإنَّ القابَ والقِيْبَ والقادَ والقِيْدَ والقِيْسَ المقدارُ، وقيلَ: فكانَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ كَما في قولكَ هو مِنِّي معقدُ الإزارِ. { أَوْ أَدْنَىٰ } أيْ عَلى تقديرِكم كَما في قولِه تعالى: { { أَوْ يَزِيدُونَ } [سورة الصافات، الآية 147] والمرادُ تمثيلُ ملَكةِ الاتصالِ وتحقيقُ استماعِه لما أُوحيَ إليه بنفِي البُعدِ المُلبسِ.