التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ
٣٠
وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى
٣١
-النجم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ذٰلِكَ } أي ما أدَّاهم فيهِ من التولِّي وقصْرِ الإرادةِ على الحياةِ الدُّنيا { مَبْلَغُهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } لا يكادونَ يجاوزونَهُ إلى غيرهِ حتَّى تُجديهم الدعوةُ والإرشادُ وجمعُ الضميرِ في مبلغُهم باعتبارِ مَعْنى مَنْ كَما أنَّ إفراده فيمَا سبقَ باعتبارِ لفظِها، والمرادُ بالعلمِ مطلقُ الإدراكِ المنتظمِ للظنِّ الفاسدِ والجملةُ اعتراضٌ مقررٌ لمضمونِ ما قبلَها من قصرِ الإرادةِ على الحياةِ الدُّنيا. وقولُه تعالَى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } تعليلٌ للأمرِ بالإعراضِ وتكريرُ قولِه تعالى هو أعلمُ لزيادةِ التقريرِ والإيذانِ بكمالِ تباينِ المعلومَينِ والمرادُ بمَنْ ضَلَّ منْ أصرَّ عليهِ ولم يرجعُ إلى الهُدَى أصلاً وبمَنْ اهتدَى مَنْ شأنُه الاهتداءُ في الجملةِ أي هو المبالغُ في العلمِ بمن لا يرعوِي عنِ الضلالِ أبداً وبمن يقبلُ الاهتداءَ في الجملةِ لا غيرُه فلا تُتعبْ نفسَك في دعوتِهم فإنَّهم من القبـيلِ الأولِ، وفي تعليلِ الأمرِ بإعراضِه عليهِ السلامُ عن الاعتناءِ بأمرِهم باقتصارِ العلمِ بأحوالِ الفريقينِ عليهِ تعالَى رمزٌ إلى أنَّه تعالَى يعاملُهم بموجبِ علمِه بهم فيجزى كلاً منْهم بما يليقُ بهِ من الجزاءِ ففيهِ وعيدٌ ووعدٌ ضِمناً كما سيأتي صَريحاً.

{ وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي خَلقاً ومُلكاً لا لغيرِه أصلاً لا استقلالاً ولا اشتراكاً. وقوله تعالى: { لِيَجْزِىَ } الخ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ أعلمُ الخ وما بـينهما اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ فإنَّ كونَ الكُلِّ مخلوقاً له تعالى ممَّا يقررُ علمَهُ تعالَى بأحوالِهم { { ألا يعلمُ منْ خلقَ } [سورة الملك، الآية 14] كأنَّه قيلَ فيعلمُ ضلالَ من ضلَّ واهتداءَ من اهتدَى ويحفظُهما ليجزيَ { ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ } أي بعقابِ ما عملُوا من الضلالِ الذي عبَّر عنْهُ بالإساءةِ بـياناً لحالهِ أو بسببِ ما عملوا.

{ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أي اهتدوا { بِٱلْحُسْنَى } أي بالمثوبةِ الحْسْنَى التي هي الجنةُ أو بسببِ أعمالِهم الحُسْنَى، وقيلَ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ قولُه تعالى: { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [سورة آل عمران، الآيات 109 و129 وسورة النساء، الآيات 126 و131] كأنَّه قيلَ خلقَ ما فيهمَا ليجزيَ الخ، وقيلَ: متعلقٌ بضلَّ واهتدَى على أن اللامَ للعاقبةِ أي هُو أعلمُ بمن ضلَّ ليؤولَ أمرُه إلى أنْ يجزيَهُ الله تعالى بعملِه وبمنِ اهتدَى ليؤولَ أمرُهُ إلى أنْ يجزيَهُ بالحُسْنَى وفيهِ من البُعدِ ما لا يَخْفى، وتكريرُ الفعلِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بأمرِ الجزاءِ والتنبـيهِ على تباينِ الجزاءينِ.