التفاسير

< >
عرض

وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ
٥٥
هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ
٥٦
أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ
٥٧
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ
٥٨
-النجم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَثَمُودُ } عطفٌ عَلى عاداً لأنَّ ما بعدَهُ لا يعملُ فيهِ وقُرِىءَ وثموداً بالتنوينِ { فَمَا أَبْقَىٰ } أي أحداً من الفريقينِ { وَقَوْمَ نُوحٍ } عطفٌ عليهِ أَيْضاً { مِن قَبْلُ } أي من قبلِ إهلاكِ عادٍ وثمودَ{ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } من الفريقينِ حيثُ كانُوا يؤذونَهُ وينفّرون الناسَ عنْهُ وكانُوا يحذرونَ صبـيانَهُم أن يسمعُوا منه وكانوا يضربونَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حتَّى لا يكونُ به حَراكٌ وما أثر فيهم دُعاؤُه قريباً من ألفِ سنةٍ { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ } هي قُرَى قومِ لوطٍ ائتفكتْ بأهلِها أي انقلبتْ بِهم { أَهْوَىٰ } أي أسقطَها إلى الأرضِ بعد أنْ رفعَها على جناحِ جبريلَ عليهِ السلامُ إلى السماءِ { فَغَشَّـٰهَا مَا غَشَّىٰ } من فنونِ العذابِ وفيه منَ التهويلِ والتفظيعِ ما لا غايةَ وراءَهُ { فَبِأَىّ ءَالاء رَبّكَ تَتَمَارَىٰ } تشكُ. والخطابُ للرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ على طريقةِ قولِه تعالى: { { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [سورة الزمر، الآية 65] أو لكلِّ أحدٍ. وإسنادُ فعلِ التَّمارِي إلى الواحدِ باعتبارِ تعددِه بحسبِ تعددِ متعلقِةٌ فإنَّ صيغةَ التفاعلِ وإن كانتْ موضوعةً لإفادةِ صدورِ الفعلِ عن المتعدد ووقوعِه عليهِ بحيث يكونُ كلٌّ منْ ذلكَ فاعلاً ومفعولاً معاً لكنَّها قد تجردُ عن المَعْنى الثانِي فيرادُ بها المَعْنى الأولَ فقط كما في يتداعونهم أي يدعونهم وقد تُجرّد عنهم أيضاً فيُكتفى بتعدد الفعل بتعدد متعلّقه كما فيما نحن فيه فإن المِراء متعددٌ بتعدد الآلاء فتدبر، وتسمية الأمور المعدودة آلاءَ مع أن بعضها نِقمٌ لِما أنها أيضاً نعم من حيث إنها نُصرة للأنبـياءِ والمؤمنين وانتقام لهم وفيها عظاتَ وعِبر للمعتبرين.

{ هَـٰذَا نَذِيرٌ مّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } هَذا إمَّا إشارةٌ إلى القُرآنِ، والنذيرُ مصدرٌ، أو إِلى الرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والنذيرُ بمَعْنى المُنذرِ، وأياً ما كانَ فالتنوينُ للتفخيمِ ومِنْ متعلقهٌ بمحذوفٍ هو نعتٌ لنذيرٌ مقررٌ له ومتضمنٌ للوعيدِ أي هَذا القرآنُ الذي تشاهدونَهُ نذيرٌ من قبـيلِ الإنذاراتِ المتقدمةِ التي سمعتُم عاقبتَها، أو هذا الرسولُ منذرٌ من جنسِ المنذرينَ الأولينَ والأُولى على تأويلِ الجماعةِ لمراعاةِ الفواصلِ وقد علمتُم أحوالَ قومِهم المنذرين وفي تعقيبهِ بقولِه تعالى: { أَزِفَتِ ٱلأَزِفَةُ } إشعارٌ بأنَّ تعذيبَهُم مؤخرٌ إلى يومِ القيامةِ أي دنتِ الساعةُ الموصوفةُ بالدنوِّ في نحوِ قولِه تعالى: { { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [سورة القمر، الآية 1] { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } أي ليسَ لها نفسٌ قادرةٌ على كشفِها عندَ وقوعِها إلا الله تعالَى لكنَّه لا يكشفُهَا أو ليسَ لها الآنَ نفسٌ كاشفةٌ بتأخيرِها إلا الله تعالَى فإنَّه المؤخِّرُ لَها أو ليسَ لها كاشفةٌ لوقتِها إلا الله تعالَى كقولِه تعالى: { لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } [سورة الأعراف، الآية 87] أو ليسَ لها من غيرِ الله تعالى كشفٌ على أنَّ كاشفةٌ مصدرٌ كالعافيةِ.