التفاسير

< >
عرض

تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ
٢٣
فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٢٤
أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
٢٥
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ
٢٦
إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ
٢٧
-القمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } تقلعُهم رُويَ أنَّهم دخلُوا الشعابَ والحفرَ وتمسَّكَ بعضُهم ببعضٍ فنزعتُهم الريحُ وصرعتُهم مَوْتى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } أي منقلعٍ عن مغارسِه قيل: شُبهوا بأعجازِ النخلِ وهيَ أصولُها بلا فروعٍ لأنَّ الريحَ كانتْ تقلعُ رؤوسَهُم فتُبقِي أجساداً وجثثاً بلا رؤوسٍ، وتذكيرُ صفةِ نخلٍ للنظرِ إلى اللفظِ كما أنَّ تأنيثَها في قولِه تعالى: { { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [سورة الحاقة، الآية 7] للنظرِ إِلى المَعْنى. وقولُه تعالَى { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } تهويلٌ لهما وتعجيبٌ من أمرِهما بعد بـيانِهما فليسَ فيه شائبةُ تكرارٍ وما قيلَ من أنَّ الأولَ لِما حاقَ بهم في الدُّنيا والثانِي لما يحيقُ بهم في الآخرةِ يردُّه ترتيبُ الثَّانِي على العذابِ الدنيويِّ { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } الكلامُ فيهِ كالذي مرَّ فيما سبقَ.

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } أي الإنذاراتِ والمواعظِ التي سمعُوها من صالحٍ أو بالرسلِ عليهم السَّلامُ فإنَّ تكذيبَ أحدِهم تكذيبٌ للكلِّ لاتفاقِهم على أصولِ الشرائعِ { فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا } أي كائناً من جنسِنا، وانتصابُه بفعلٍ يفسرُه ما بعدَهُ { وٰحِداً } أي منفرداً لا تبعَ له أو واحداً من آحادِهم لا من أشرافِهم وهو صفةٌ أُخرى لبشراً وتأخيرُه عن الصفةِ المؤولةِ للتنبـيهِ على أنَّ كلاً من الجنسيةِ والوحدةِ مما يمنعُ الاتباعَ ولو قُدِّمَ عليَها لفاتتِ هذه النكتةُ وقُرِىءَ أبشرٌ منَّا واحدٌ على الابتداءِ. وقولُه تعالَى: { نَّتَّبِعُهُ } خبرُهُ والأولُ أوجهُ للاستفهامِ { إِنَّا إِذَا } أي على تقديرِ اتباعِنا له وهو منفردٌ ونحن أُمَّةٌ جَمَّةٌ { لَفِى ضَلَـٰلَ } عن الصوابِ { وَسُعُرٍ } أي جنونٍ فإنَّ ذلكَ بمعزلٍ من مُقتَضى العقلِ وقيلَ: كان يقولُ لهم إن لم تتبعونِي كنتُم في ضلالٍ عن الحقِّ وسعرٍ أي نيرانٍ جمعُ سعيرٍ فعكسُوا عليهِ عليهِ السَّلامُ لغايةِ عتوهِم فقالُوا إنِ اتبعناكَ كُنَّا إذن كَما تقولُ { أَءُلْقِىَ الذّكْرُ } أي الكتابُ والوحيُ { عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } وفينَا من هو أحقُّ منه بذلكَ { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أي ليسَ الأمرُ كذلكَ بل هو كَذا وكَذا حملَهُ بطرُه على الترفعِ علينا بما ادَّعاهُ وقولُه تعالَى: { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } حكايةٌ لما قالَهُ تعالَى لصالحٍ عليهِ السَّلامُ وعداً لهُ ووعيداً لقومِه، والسينُ لتقريبِ مضمونِ الجملةِ وتأكيدِه والمرادُ بالغدِ وقتُ نزولِ العذابِ أي سيعلمونَ البتةَ عن قريبٍ من الكذابُ الأشرُ الذي حملَهُ أشرُه وبطرُه على الترفعِ أصالحٌ هو أم مَنْ كذبَهُ. وقُرِىءَ ستعلمونَ، على الالتفاتِ لتشديدِ التوبـيخِ، أو على حكايةِ ما أجابَهُم به صالحٌ. وقُرِىءَ الأشر كقولِهم حذر في حذر. وقُرِىءَ الأشرُّ أي الأبلغُ في الشرارةِ وهو أصلٌ مرفوضٌ كالأخيرِ، وقيلَ: المرادُ بالغدِ يومُ القيامةِ ويأباهُ قولُه تعالَى:

{ إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ }الخ. فإنَّه استئنافٌ مسوقٌ لبـيانِ مبادِي الموعودِ حتْماً أي مخرجُوها من الهضبةِ حسبمَا سألُوا { فِتْنَةً لَّهُمْ } أي امتحاناً { فَٱرْتَقِبْهُمْ } أي فانتظرْهُم وتبصرْ ما يصنعونَ { وَٱصْطَبِرْ } على أذيتِهم.