التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ
١
وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ
٢
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ
٣
-القمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

سورة القمر مكية

وآيُها خمس وخمسون آية

{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } رُويَ أنَّ الكُفَّارَ سألُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آيةً، فانشقَّ القمرُ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا: انفلقَ فلقتينِ فلقةٌ ذهبتْ وفلقةٌ بقيتْ. وقالَ ابنُ مسعودٍ رأيتُ حِراءَ بـينَ فلقتَيْ القمرِ. وعنْ عثمانَ بنِ عطاءٍ عنْ أبـيهِ أنَّ معناهُ سينشقُّ يومَ القيامةِ ويردُّه قولُه تعالى: { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } فإنَّه ناطقٌ بأنَّه قدْ وقعَ وأنَّهم قدْ شاهدُوا بعدَ مُشاهدةِ نظائرِه. وقُرِىءَ وقَدِ انشقَّ القمرُ. أي اقتربتِ الساعةُ وقد حصلَ منْ آياتِ اقترابِها أنَّ القَمرَ قدِ انشقَّ ومَعْنى الاستمرارِ الاطرادُ أو الاستحكامُ أيْ وإِنْ يَرَوا آيةً من آياتِ الله يُعرضُوا عنِ التأملِ فيها ليقفُوا على حقِّيتها وعلوِّ طبقتِها ويقولُوا سحرٌ مطردٌ دائمٌ يأتِي به محمدٌ عَلى مرِّ الزمانِ لا يكادُ يختلفُ بحالٍ كسائرِ أنواعِ السحرِ، أو قويٌّ مستحكمٌ لا يمكنُ إزالتُه وقيلَ مستمرٌ: ذاهبٌ يزولُ ولا يَبْقى تمنيةً لأنفسِهم، وتعليلاً وهو الأنسبُ بغلوِّهِم في العِنادِ والمُكابرةِ ويؤيدُه ما سيأتِي لردِّه. وقُرِىءَ وإنْ يُرَوا على البناءِ للمفعولِ منَ الإراءةِ { وَكَذَّبُواْ } أي بالنبـيِّ صلى الله عليه وسلم وما عاينُوه مما أظهرَهُ الله تعالَى على يدِه من المعجزاتِ { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } التي زيَّنها الشيطانُ لهم أو كذَّبُوا الآيةَ التي هيَ انشقاقُ القمرِ واتَّبعُوا أهواءَهُم وقالُوا سحرَ القمرَ أو سحرَ أَعْيُننا والقمرُ بحالِه. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحققِ. وقولُه تعالى: { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } استئنافٌ مسوقٌ لإقناطِهم عمَّا علَّقوا به أمانيَّهم الفارغةَ من عدمِ استقرارِ أمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حسبمَا قالُوا سحرٌ مستمرٌّ ببـيانِ ثباتِه ورسوخِه أي وكلُّ أمرٍ من الأمورِ مستقرٌّ أي مُنتهٍ إلى غايةٍ يستقرُّ عليَها لا محالةَ، ومن جُملتِها أمرُ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم فسيصيرُ إلى غايةٍ يتبـينُ عندَهَا حقِّيتُه وعلُّو شأنِه. وإبهامُ المستقَرِّ عليهِ للتنبـيهِ على كمالِ ظهورِ الحالِ وعدمِ الحاجةِ إلى التصريحِ بهِ، وقيلَ: المَعْنى كلُّ أمرٍ من أمرِهم وأمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مستقرٌّ أي سيثبتُ ويستقرُّ على حالةِ خذلانٍ أو نصرةٍ في الدُّنيا وشقاوةٍ أو سعادةٍ في الآخرةِ. وقُرِىءَ بالفتحِ على أنَّه مصدرٌ أو اسمُ مكانٍ أو اسمُ زمانٍ أي ذُو استقرارٍ أو ذُو موضعَ استقرارٍ أو ذُو زمانِ استقرارٍ، وبالكسرِ والجرِّ عَلى أنَّه صفة أمرَ، وكلُّ عطفٌ على الساعةُ أي اقتربتِ الساعةُ وكلُّ أمرٍ مستقرٌّ.