التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ
٣٦
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٧
وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ
٣٨
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٩
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ
٤٠
وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ
٤١
كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ
٤٢
أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ
٤٣
-القمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ } لوطٌ عليهِ السَّلامُ { بَطْشَتَنَا } أي أَخذتَنَا الشديدةَ بالعذابِ { فَتَمَارَوْاْ } فكذَّبوا { بِٱلنُّذُرِ } متشاكينَ { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } قصدُوا الفجورَ بهم { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } فمسحنَاها وسوَّيناها كسائرِ الوجهِ. رُويَ أنَّهم لَمَّا دخلُوا دارَهُ عنوةً صفقَهُم جبريلُ عليهِ السَّلامُ صفقةً فتركهُم يترددونَ لا يهتدونَ إلى البابِ حتَّى أخرجُهم لوطٌ عليه السَّلامُ { فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ } أي فقلُنَا لهُم ذُوقوا على ألسنةِ الملائكةِ أو ظاهرُ الحالِ والمرادُ به الطمسُ فإنَّه من جملةِ ما أُنذرُوه من العذابِ { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً } وقُرِىءَ بكرةَ غيرَ مصروفةٍ على أنَّ المرادَ بها أولُ نهارٍ مخصوصٍ { عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } لا يفارقُهم حتَّى يُسلمَهُم إلى النارِ. وفي وصفِه بالاسقرارِ إيماءٌ إلى أنَّ ما قبلَهُ من عذابِ الطمسِ ينتهِي إليهِ { فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ } حكايةً لما قيلَ لهم حينئذٍ من جهتِه تعالى تشديداً للعذابِ { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } مرّ ما فيهِ من الكلامِ.

{ وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } صُدِّرتْ قصتُهم بالتوكيدِ القسمِي لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بشأنِها لغايةِ عظمِ ما فيَها من الآياتِ وكثرتِها وهولِ ما لاقَوه منَ العذابِ وقوة إيجابِها للاتعاظِ. والاكتفاءُ بذكرِ آلِ فرعونَ للعلمِ بأنَّ نفسَه أَوْلى بذلكَ أي وبالله لقد جاءهُم الإنذاراتُ. وقولُه تعالَى { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كُلَّهَا } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من حكايةِ مجيءِ النذرِ كأنَّه قيلَ: فمَاذا فعلُوا حينئذٍ فقيلَ: كذَّبُوا بجميعِ آياتِنا، وهي الآياتُ التسعُ { فَأَخَذْنَـٰهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ } لا يُغالبُ { مُّقْتَدِرٍ } لا يُعجزه شيءٌ.

{ أَكُفَّـٰرُكُمْ } يا معشرَ العربِ { خَيْرٌ } قوةً وشدةً وعُدّةً وعدةً أو مكانةً { مّنْ أُوْلَـئِكُمْ } الكفارِ المعدودينَ والمَعُنى أنه أصابَهُم مَا أصابَهُم مع ظهورِ خيريتِهم منكُم فيما ذُكِرَ من الأمورِ فهلْ تطمعونَ أنْ لا يصيبَكُم مثلُ ذلكَ وأنتُم شرٌّ منهم مكاناً وأسوأُ حالاً. وقولُه تعالَى: { أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى ٱلزُّبُرِ } إضرابٌ وانتقالٌ من التبكيتِ بما ذُكِرَ إلى التبكيتِ بوجهٍ آخرَ أيْ بلْ ألكم براءةٌ وأمنٌ من تبعاتِ ما تعملونَ من الكفرِ والمعاصِي وغوائلِهما في الكتبِ السماويةِ فلذلكَ تصرونَ على ما أنتُم عليهِ.