التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ
٤٤
سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ
٤٥
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ
٤٦
إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٤٧
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ
٤٨
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
٤٩
-القمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } إضرابٌ من التبكيتِ المذكورِ إلى وجهٍ آخرَ من التبكيتِ. والالتفاتُ للإيذانِ باقتضاءِ حالِهم للإعراضِ عنهُم وإسقاطِهم عن رتبةِ الخطابِ وحكايةِ قبائِحهم لغيرِهم أي بلْ أيقولونَ واثقينَ بشوكتِهم نحنُ أولُو حزمٍ ورأيٍ أمرُنا مجتمعٌ لا نُرامُ ولا نُضامُ أو منتصرٌ من الأعداءِ لا نُغلبُ أو متناصرٌ بعضُنا بعضاً. والإفرادُ باعتبارِ لفظِ الجميعِ. وقولُه تعالَى: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ } ردٌّ وإبطالٌ لذلكَ، والسينُ للتأكيدِ أي يُهزم جمعُهم البتةَ { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } أي الأدبارَ وقد قُرِىءَ كذلكَ. والتوحيدُ لإرادةِ الجنسِ أو إرادةِ أن كلّ واحدٍ منهم يولِّي دبرَه وقد كان كذلكَ يومَ بدرٍ. (قال سعيدُ بنُ المسيِّبِ: سمعتُ عمَر بنَ الخطابِ رضيَ الله عنُهُ يقولُ: لما نزلتْ سُيهزمُ الجمعُ ويولونَ الدبرَ كنتَ لا أدرِي أيَّ جمعٍ يُهزمُ فلمَّا كانَ يومَ بدرٍ رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يلبَسُ الدرعَ ويقولُ: { سُيهزمُ الجمعُ ويولونَ الدبرَ } فعرفتُ تأويلَها). وقُرِىءَ سَيهزمُ الجمعَ أي الله عزَّ وعَلاَ { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } أي ليسَ هَذا تمامَ عقوبتِهم، بلِ الساعةُ موعدُ أصلِ عذابِهم وهَذا من طلائعِه { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي في أقصى غايةٍ من الفظاعةِ والمرارةِ. والداهيةُ الأمرُ الفظيعُ الذي لا يُهتدَى إلى الخلاصِ عنْهُ. وإظهارُ الساعةِ في موقعِ إضمارِها لتربـيةِ تهويلها.

{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ } من الأولينَ والآخرينَ { فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } أي في هلاكٍ ونيرانٍ مسعرةٍ وقيلَ: في ضلال عن الحقِّ في الدُّنيا، ونيرانٍ في الآخرةِ. وقولُه تعالَى: { يَوْمَ يُسْحَبُونَ } الخ منصوبٌ إمَّا بما يُفهمُ من قولِه تعالَى في ضلالٍ أي كائنونَ في ضلالٍ وسعرٍ يومَ يجرونَ { فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } وإما بقول مقدر بعده أي يوم يسحبون يقال لهم { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي قاسُوا حرَّها وألمَها. وسقرُ علمُ جهنَّم ولذلكَ لم يُصرفْ منْ سقرتْهُ النارُ وصقرتْهُ إذا لوَّحتْهُ. والقولُ المقدرُ على الوجهِ الأولِ حالٌ من ضميرِ يسحبونَ. { إِنَّا كُلَّ شَىْء } من الأشياءِ { خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } أي ملتبساً بقدرٍ معينٍ اقتضْتُه الحكمةُ التي عليَها يدورُ أمرُ التكوينِ أو مقدراً مكتوباً في اللوحِ قبلَ وقوعِه. وكلَّ شيءٍ منصوبٌ بفعلٍ يفسرُه ما بعَدُه وقُرىءَ بالرفعِ على أنَّه مبتدأٌ وخلقناهُ خبرُهُ.