التفاسير

< >
عرض

وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ
١٠
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ
١١
وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ
١٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٣
-الرحمن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا } أي خفضَها مدحوَّةً على الماءِ { لِلأَنَامِ } أي الخلقِ، قيلَ: المرادُ به كلُّ ذِي رُوحٍ وقيلَ: كلُّ ما على ظهرِ الأرضِ من دابَّةٍ وقيلَ: الثقلان. وقوله تعالى: { فِيهَا فَـٰكِهَةٌ } الخ. استئناف مسوق لتقرير ما أفاده الجملة السابقةُ من كونِ الأرضِ موضوعةً لمنافعِ الأنامِ وتفصيلِ المنافعِ العائدةِ إلى البشرِ، وقيلَ: حالٌ مقدرةٌ من الأرضِ، فالأحسنُ حينئذٍ أنْ يكونَ الحالُ هو الجارَّ والمجرورَ، وفاكهةٌ رفعَ على الفاعليةِ أي فيها ضروبٌ كثيرةٌ مما يُتفكَّه بهِ. { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } هي أوعيةُ الثمرِ جَمعُ كِمَ أو كلُّ ما يُكَمّ أي يُغطَّى من ليفٍ وسعفٍ وكُفُرَّى فإنَّه ما ينتفعُ به كالمكمومِ من ثمرهِ وجُمَّارهِ وجذوعِه. { وَٱلْحَبُّ } هو ما يُتغذَّى بهِ كالحنطةِ والشعيرِ. { ذُو ٱلْعَصْفِ } هو ورقُ الزرعِ، وقيل: التبنُ { وَٱلرَّيْحَانُ } قيلَ: هو الرزقُ أريدَ به اللبُّ أي فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بـين التلذذ والتغذي وهو ثمر النخل وما يُتغذَّى بهِ وهو الحبُّ الذي له عصفٌ هو علفُ الأنعامِ وريحانٌ هو مطِعُم الناسِ. وقُرِىءَ والحبَّ ذا العصفِ والريحانَ أي خلقَ الحبَّ والريحانَ أو أَخصُّ، ويجوزُ أنْ يرادَ وذَا الريحانِ فحُذفَ المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليهِ مُقامَهُ. والريحانُ إمَّا فيعلانٌ من رَوَح فقلبتْ واوُه ياءً وأُدغمَ ثمَّ خففَ، أو فعلانٌ قلبتْ واوُه ياءً للتخفيفِ أو للفرقِ بـينَهُ وبـين الرَّوحانِ وهو ما لَه روحٌ قاله القرطبـيُّ { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } الخطابُ للثقلينِ المدلولِ عليهما بقولِه تعالى للأنامِ، وسينطقُ به قولُه تعالى أيُّها الثقلانِ والفاءُ لترتيبِ الإنكارِ والتوبـيخِ على ما فُصِّلَ من فنونِ النعماءِ وصنوفِ الآلاءِ الموجبةِ للإيمانِ والشكرِ حتماً، والتعرضُ لعنوانِ الربوبـيةِ المنبئةِ عن المالكيةِ الكلِّيةِ والتربـيةِ مع الإضافةِ إلى ضميرِهم لتأكيدِ النكيرِ وتشديدِ التوبـيخِ ومعنى تكذيبِهم بآلائِه تعالى كفرُهم إما بإنكارِ كونِه نعمةً في نفسهِ كتعليمِ القرآنِ يستندُ إليهِ من النعمِ الدينيةِ وإما بإنكارِ كونِه من الله تعالى مع الاعترافِ بكونِه نعمةً في نفسِه كالنعمِ الدنيويةِ الواصلةِ إليهم بإسنادِه إلى غيرِه تعالَى استقلالاً أو اشتراكاً صريحاً أو دلالةً فإنَّ إشراكَهُم لآلهتِهم به تعالَى في العبادةِ من دواعِي إشراكِهم لها به تعالى فيما يُوجبها، والتعبـيرُ عن كفرِهم المذكورِ بالتكذيبِ لما أنَّ دلالةَ الآلاءِ المذكورةِ على وجوبِ الإيمانِ والشكرِ شهادةٌ منها بذلك فكفرُهم بها تكذيبٌ بَها لا محالةَ أي فإذا كان الأمرُ كما فُصِّلَ فبأيِّ فردٍ من أفرادِ آلاءِ مالكِكُما ومربِّـيكُما بتلكَ الآلاءِ تكذبانِ مع أنَّ كلاً منها ناطقٌ بالحقِّ شاهدٌ بالصدقِ.