التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٣
وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٢٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٥
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ
٢٦
وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ
٢٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٨
يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
٢٩
-الرحمن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * وَلَهُ ٱلْجَوَارِ } أي السفنُ جمعُ جاريةٍ، وقرِىءَ برفعِ الراءِ وبحذفِ الياءِ كقولِ منْ قال:

لَهَاَ ثَنَايَا أَرْبعٌ حسانوَأَرْبعٌ فكُلُّها ثَمَانُ

{ ٱلمُنشَآتُ } المرفوعاتُ الشُّرُعِ، أو المصنوعاتُ، وقُرِىءَ بكسرِ الشينِ. أيْ الرافعاتُ الشرُعَ، أو اللاتِي ينشئنَ الأمواجَ بجريهنَّ { فِى ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلَـٰمِ } كالجبالِ الشاهقةِ جمعُ عَلَمِ وهو الجبلُ الطويلُ. { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } من خلقِ موادِّ السفنِ والإرشادِ إلى أخذِها وكيفيةِ تركيبِها وإجرائِها في البحرِ بأسبابٍ لا يقدرُ على خلقِها وجمعِها وترتيبِها غيره سبحانَهُ { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا } أي على الأرضِ من الحيواناتِ أو المركباتِ ومَنْ للتغليبِ أو من الثقلينِ { فَانٍ } هالكٌ لا محالةَ { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ } أي ذاتُه عزَّ وجلَّ { ذُو ٱلْجَلْـٰلِ وَٱلإكْرَامِ } أي ذُو الاستغناءِ المطبقِ والفضلِ التامِ وقيلَ: الذي عندَهُ الجلالُ والإكرامُ للمخلصينَ من عبادِه وهذهِ من عظائمِ صفاتِه تعالى، ولقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم: "ألظُّوا بـياذَا الجلالِ والإكرامِ" وعنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "أنَّه مرَّ برجلٍ وهُو يُصلِّي ويقولُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، فقالَ قد استُجيبَ لكَ" . وقُرِىءَ ذِي الجلالِ والإكرام على أنه صفةُ ربِّك، وأياً ما كانَ ففي وصفهِ تعالَى بذلكَ بعدَ ذكرِ فناءِ الخلقِ وبقائِه تعالى يفيضُ عليهم بعد فنائِهم أيضاً آثارَ لطفِه وكرمِه حسبَما ينبيءُ عنه قولُه تعالَى: { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإنَّ أحياءَهُم بالحياةِ الأبديةِ وإثابتَهم بالنعيمِ المقيمِ أجلُّ النعماءِ وأعظمُ الآلاءِ { يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قاطبةً ما يحتاجونَ إليه في ذواتِهم ووجوداتِهم حدوثاً وبقاءً وسائرِ أحوالِهم سؤالاً مستمراً بلسانِ المقالِ أو بلسانِ الحالِ فإنَّهم كافةً من حيثُ حقائقُهم الممكنةُ بمعزلٍ من استحقاقِ الوجودِ وما يتفرعُ عليه من الكمالاتِ بالمرةِ بحيثُ لو انقطعَ ما بـينَهم وبـين العنايةِ الإلٰهيةِ من العلاقةِ لم يشَمُّوا رائحةَ الوجودِ أصلاً فهم في كلِّ آنٍ مستمرونَ على الاستدعاءِ والسؤالِ وقد مرَّ في تفسيرِ قولِه تعالى: { { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [سورة إبراهيم، الآية 34 والنحل، الآية 18] من سورةِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ { كُلَّ يَوْمٍ } أي كلَّ وقتٍ من الأوقاتِ.{ هُوَ فِى شَأْنٍ } من الشؤونِ التي من جُمْلتها إعطاءُ ما سألُوا فإنَّه تعالى لا يزالُ ينشىءُ أشخاصاً ويُفني آخرينَ ويأتِي بأحوالٍ ويذهبُ بأحوالٍ حسبَما تقتضيهِ مشيئتُه المبنيةُ على الحِكم البالغةِ، وفي الحديثِ: "من شأنِه أنْ يغفرَ ذنباً ويفرّجَ كرباً ويرفعَ قوماً ويضعَ آخرينَ" قيل: وفيه ردٌّ على اليهودِ حيثُ يقولونَ إنَّ الله لا يقضِي يومَ السبتِ شيئاً.