التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٤
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ
٣٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ
٣٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٨
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ
٣٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٠
-الرحمن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } أي من التنبـيهِ والتحذيرِ والمساهلةِ والعفوِ مع كمالِ القدرةِ على العقوبةِ { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ } قيلَ: هو اللهبُ الخالصُ وقيلَ: المختلطُ بالدخانِ وقيل: اللهبُ الأخضرُ المنقطعُ من النارِ وقيل: هو الدخانُ الخارجُ من اللهبِ وقيلَ: هو النارُ والدخانُ جميعاً. وقُرِىءَ شِواظٌ بكسرِ الشينِ { مّن نَّارٍ } متعلقٌ بـيرسلُ أو بمضمرٍ هو صفةٌ لشواظٌ أي كائنٌ من نارٍ، والتنوينُ للتفخيمِ { وَنُحَاسٌ } أي دُخانٌ وقيلَ: صُفرٌ مذابٌ يصبُّ على رؤوسِهم، وقُرِىءَ بكسرِ النُّونِ، وقُرِىءَ بالجرِّ عطفاً على نارٍ، وقُرِىءَ نُرسلُ بنونِ العظمةِ، ونصبِ شُواظاً ونحاساً، وقُرِىءَ نُحُس جمعُ نِحاسِ مثلُ لِحافِ ولُحُفِ، وقُرِىءَ ونَحُسُّ أي نقتلُ بالعذابِ. { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } أي لا تمتنعانِ { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } فإنَّ بـيانَ عاقبةِ ما هُم عليهِ من الكفرِ والمَعَاصِي لطفٌ وأيُّ لُطفٍ ونعمةٌ وأيُّ نعمةٍ. { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاء } أي انصدعتْ يومَ القيامةِ { فَكَانَتْ وَرْدَةً } كوردةٍ حمراءَ وقُرِىءَ وردةٌ بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ أيَّ حصلتْ سماءٌ وردةٌ فيكونُ من بابِ التجريدِ كقولِ منْ قالَ:

وَلَئِنْ بَقيْتُ لأَرْحَلَّنَّ بغزوةتَحوِي الغنائمَ أَوْ يموتَ كريمُ

{ كَٱلدّهَانِ } خبرٌ ثانٍ لكانَتْ، أو نعتٌ لوردةً أو حالٌ من اسمِ كانتْ، أي كدُهنِ الزيتِ، وهو إمَّا جمعُ دُهنٍ، أو اسمٌ لَما يُدهنُ بهِ كالحِزامِ والأدامِ، وقيلَ: هو الأديمُ الأحمرُ. وجوابُ إذَا محذوفٌ أي يكونُ من الأحوالِ والأهوالِ ما لا يحيطُ بهِ دائرةُ المقالِ. { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } مع عظمِ شأنِها { فَيَوْمَئِذٍ } أي يومَ إذُ تنشقُ السماءُ حسبَما ذُكِرَ. { لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } لأنَّهم يُعرفونَ بسيماهُم وذلكَ أولَ ما يخرجونَ من القبورِ ويحشرونَ إلى الموقفِ ذَوْداً ذَوداً على اختلافِ مراتبِهم، وأما قولُه تعالى: { { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [سورة الحجر، الآية 92] ونحُوه ففي موقفِ المناقشةِ والحسابِ، وضميرُ ذنبِه للإنسِ لتقدمِه رتبةً، وإفرادُه لما أنَّ المرادَ فردٌ من الإنسِ كأنَّه قيلَ: لا يُسألُ عن ذنبهِ إنسيٌّ ولا جنيٌّ. { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } معَ كثرةِ منافعِها، فإنَّ الإخبارَ بما ذُكِرَ ممَّا يزجرُكُم عن الشرِّ المؤدِّي إليهِ، وأما ما قيلَ: ممَّا أنعمَ الله على عبادِه المؤمنينَ في هذا اليومِ فلا تعلقَ لهُ بالمقامِ.