التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ
٦
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ
٧
أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ
٨
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
٩
-الرحمن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلنَّجْمِ } أي النباتُ الذي ينجُم أي يطلُع من الأرضِ ولا ساقَ لهُ { وَٱلشَّجَرُ } أي الذي له ساقٌ { يَسْجُدَانِ } أي ينقادانِ له تعالَى فيمَا يريدُ بهما طبعاً انقيادَ الساجدينَ من المكلفينَ طوعاً. والجملتانِ خبرانِ آخرانِ للرَّحمنُ جُردتاً عن الرابطِ اللفظيِّ تعويلاً على كمالِ قوةِ الارتباطِ والمعنويِّ إذ لا يتوهمُ ذهابُ الوهمِ إلى كونِ حالِ الشمسِ والقمرِ بتسخيرِ غيرِه تعالى ولا إلى كونِ سجودِ النجمِ والشجرِ لما سواهُ تعالى كأنَّه قيلَ: الشمسُ والقمرُ بحسبانِه والنجمُ والشجرُ يسجدانِ لهُ، وإخلاءُ الجملةِ الأُولى عن العاطفِ لما ذُكِرَ من قبلُ وتوسيطُ العاطفِ بـينَها وبـينَ الثانيةِ لتناسبِهما من حيثُ التقابلُ لما أنَّ الشمسَ والقمرَ علويانِ والنجمَ والشجرَ سفليانِ ومن حيثُ إنَّ كلاًّ من حالِ العلويـينِ وحالِ السفليـينِ من بابِ الانقيادِ لأمرِ الله عزَّ وجلَّ.

{ وَٱلسَّمَاء رَفَعَهَا } أي خلقَها مرفوعةً محلاً ورتبةً حيثُ جعلَها منشأَ أحكامِه وقضاياهُ ومتنزَّلَ أوامرِه ومَحَلَّ ملائكتِه، وفيهِ من التنبـيهِ على كبرياءِ شأنِه وعظمِ ملكِه وسلطانِه ما لا يَخْفى. وقُرِىءَ بالرفعِ على الابتداءِ. { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } أيْ شرعَ العدلَ وأمرَ بهِ بأنْ وفَّرَ كلَّ مستحقَ ما استحقَّهُ ووفَّى كلَّ ذِي حقَ حقَّهُ حتى انتظمَ به أمرُ العالمِ واستقامَ، كَما قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "بالعدلِ قامتِ السمواتُ والأرضُ" قيلَ: فَعلى هذا الميزانُ: القرآنُ، وهو قُولُ الحسينِ بنِ الفضلِ، كما في قولِه تعالى: { { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ } [سورة الحديد، الآية 25] وقيلَ: هو ما يُعرفُ به مقاديرُ الأشياءِ من ميزانٍ ومكيالٍ ونحوِهما، وهو قولُ الحسنِ وقتادةَ والضَّحاكِ فالمَعْنى خلقَه موضوعاً مخفوضاً على الأرضِ حيثُ علقَ به أحكامَ عبادهِ وقضايَاهُم ومَا تعّبدهُم بهِ من التسويةِ والتعديلِ في أخذِهم وإعطائِهم. { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ } أيْ لئلا تطغَوا فيهِ على أنَّ «أنْ» ناصبةٌ ولا نافيةٌ ولامَ العلةِ مقدرةٌ متعلقةٌ بقولِه تعالى ووضعَ الميزانَ أو أن لا تطغَوا على أنَّها مفسرةٌ لما في الشرعِ من مَعْنى القولِ ولا ناهيةٌ أي لا تعتدُوا ولا تتجاوزُوا الإنصافَ. وقُرِىءَ لا تطغَوا على إرادةِ القولِ. { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } قوِّموا وزنَكُم بالعدلِ وقيلَ: أقيمُوا لسانَ الميزانِ بالقسطِ والعدلِ، وقيلَ: الإقامةُ باليدِ والقسطُ بالقلبِ، { وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } أي لا تُنقصُوه، أمرَ أولاً بالتسويةِ ثمَّ نهَى عن الطغيانِ الذي هو اعتداءٌ وزيادةٌ ثمَّ عن الخسران الذي هو تطفيفٌ ونقصانٌ وكررَ لفظَ الميزانِ تشديداً للتوصية به وتأكيداً للأمرِ باستعمالِه والحثِ عليهِ. وقُرِىءَ ولا تَخسُروا بفتحِ التاء وضم السين وكسرها يقال: خسر الميزان يخسره وبفتح السينِ أيضاً على أنَّ الأصلَ ولا تخسَروا في الميزانِ فَحُذِفَ الجارُّ وأوصلَ الفعلُ.