التفاسير

< >
عرض

وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ
٤٦
وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
٤٧
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
٤٨
قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ
٤٩
لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٥٠
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ
٥١
-الواقعة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي الذنبِ العظيمِ الذي هو الشركُ ومنه قولُهم بلغَ الغلامُ الحنثَ أي الحُلُمَ وقتَ المؤاخذةِ بالذنبِ { وَكَانُواْ يِقُولُونَ } لغايةِ عُتوِّهم وعنادِهم { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً } أي كانَ بعضُ أجزائِنا من اللحمِ والجلدِ تراباً وبعضُها عظاماً نخرةً وتقديمُ الترابِ لعراقتهِ في الاستبعادِ وانقلابه من الأجزاء البادية، وإذا متمحّضة للظرفي والعامل فيها ما دل عليه، قوله تعالى { أئنا لمبعثونَ } لا نفسه لأن مَا بعد أنَّ واللامِ والهمزةِ لا يعملُ فيما قبلَها وهو نُبعثُ وهو المرجعُ للإنكارِ، وتقيـيدُه بالوقتِ المذكورِ ليس لتخصيصِ إنكارِه به فإنَّهم منكرون للإحياءِ بعد الموتِ وإن كان البدنُ على حالِه بل لتقويةِ الإنكارِ للبعثِ بتوجيهه إليه في حالةٍ منافيةٍ له بالكليةِ، وتكريرُ الهمزةِ لتأكيدِ النكيرِ وتحليةُ الجملةِ بأنَّ لتأكيدِ الإنكارِ لا لإنكارِ التأكيدِ كما عسى يتوهمُ من ظاهرِ النظمِ فإن تقديمَ الهمزةِ لاقتضائِها الصدارةَ كما في مثلِ قولِه تعالى: { { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [سورة البقرة، الآيات 44 و76، وآل عمران، الآية 65، والأنعام، الآية 32، والأعراف، الآية 169، إلى آخره...] على رأي الجمهورِ فإن المعنى عندهم تعقيبُ الإنكارِ لا إنكارُ التعقيبِ كما هو المشهورُ وليس مدارُ إنكارِهم كونَهم ثابتينَ في المبعوثية بالفعل في حال كونِهم تراباً وعظاماً بل كونِهم بعرضيةِ ذلك واستعدادِهم ومرجعُه إلى إنكارِ البعثِ بعد تلك الحالةِ، وفيه من الدلالة على غلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال ما لا مزيدَ عليه وتكريرُ الهمزةِ فِي قولِه تعالى:

{ أَوَ ءابَاؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } لتأكيد النكيرِ والواوُ للعطفِ على المستكنِّ في لمبعوثونَ وحسُن ذلك الفصلُ بالهمزة يعنون أنَّ بعثَ آبائهم الأولينَ أبعدُ من الوقوعِ وقرىء أو آباؤنا { قُلْ } رداً لإنكارِهم وتحقيقاً للحقِّ { إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلأَخِرِينَ }من الأممِ الذين منْ جُملتهم أنتُم وآباؤكم وفي تقديم الأولينَ مبالغةٌ في الردِّ حيث كان إنكارُهم لبعث آبائِهم أشدَّ من إنكارِهم لبعثهم مع مراعاةِ الترتيبِ الوجوديِّ { لَمَجْمُوعُونَ } بعد البعثِ وقُرىءَ لمُجمَعون { إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } إلى ما وُقتت به الدُّنيا من يومٍ معلومٍ والإضافةُ بمعنى منْ كخاتم فضةٍ { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ } عطفٌ على أن الأولين داخلٌ تحت القولِ وثم للتراخِي زماناً أو رتبةً { ٱلْمُكَذّبُونَ } أي بالبعث والخطابُ لأهلِ مكةَ وأضرابِهم.