التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ
٥٨
ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ
٥٩
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
٦٠
عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦١
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ
٦٢
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ
٦٣
ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ
٦٤
لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
٦٥
-الواقعة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } أي تقذفونَ في الأرحامِ من النطفِ وقرىء بفتحِ التاءِ من مَنَى النطفةَ بمعنى أمنَاها { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } أي تقدرونَهُ وتصورونَهُ بشراً سوياً { أَم نَحْنُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } له من غيرِ دخلِ شيءٍ فيه، وأم قيل: منقطعةٌ لأن ما بعدها جملةٌ فالمعنى بل أنحنُ الخالقونَ على أنَّ الاستفهامَ للتقريرِ وقيل: متصلة ومجىءُ الخالقونَ بعد نحن بطريقِ التأكيد لا بطريقِ الخبريةِ أصالةً { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } أي قسمنَاهُ عليكم ووقتنا موتَ كلِّ أحدٍ بوقتٍ معينٍ حسبما تقتضيهِ مشيئتنا المبنيةُ على الحكمِ البالغةِ وقرىء قدَرْنا مخففاً { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي إنا قادرونَ { عَلَىٰ أَن نُّبَدّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ } لا يغلبنا أحدٌ على أن نُذهبكم ونأتَي مكانَكم بأشباهِكم من الخلقِ { وَنُنشِئَكُمْ فِيمَا لاَ تَعْلَمُونَ } من الخلقِ والأطوارِ ولا تعهدون بمثلها قال الحسنُرحمه الله أي نجعلكم قردةً وخنازيرَ وقيل: المَعْنى وننشئكم في البعثِ على غيرِ صوركم في الدُّنيا فيمن هذا شأنُه كيف يعجزُ عن إعادتِكم وقيلَ: المعنى وما يسبقنا أحدٌ فيهرب من الموت أو بغير وقته وعلى أن نبدل إلخ إما حالٌ من فاعل قدرنا أو علةٌ للتقديرِ وعلى بمعنى اللام وبـينهما اعتراضٌ.

{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } هي خلقُهم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ وقيل: هي فطرةُ آدمَ عليه السلامُ من الترابِ { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } فهلا تتذكرون أنَّ من قدرَ عليها قدر على النشأةِ الأُخرى حتماً فإنه أقلُّ صنعاً لحصولِ الموادِّ وتخصيصِ الأجزاءِ وسبقِ المثالِ وفيه دليلٌ على صحةِ القياسِ وقرىء فَلْولاَ تذكُرُون من الثلاثيِّ وفي الخبرِ عجباً كلَّ العجبِ للمكذبِ بالنشأةِ الآخرةِ وهو يرى النشأةَ الأولى وعجباً للمصدق بالنشأة الآخرةِ وهو يسعى لدار الغرور.

{ أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } أي تبذرونَ حبَّه وتعملونَ في أرضِه { ءَأنتُمْ تَزْرَعُونَهُ } تنبتونَهُ وتردونه نباتاً يرفّ { أَمْ نَحْنُ ٱلزارِعُونَ } أي المنبتونَ لا أنتمُ والكلامُ في أم كما مر آنفاً { لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَـٰماً } هشيماً متكسراً متفتتاً بعد ما أنبتناهُ وصارَ بحيثُ طمعتم في حيازة غلالِه { فَظَلْتُمْ } بسبب ذلك { تَفَكَّهُونَ } تتعجبونَ من سوءِ حالِه إثر ما شاهدتُموه على أحسن ما يكون من الحالِ أو تندمونَ على ما تعبتُم فيه وأنفقتُم عليه أو على ما اقترفتُم لأجله من المعاصِي فتتحدثون فيه والتفكّه التنقلُ بصنوفِ الفاكهةِ وقد استعير للتنقلِ بالحديثِ وقُرِىءَ تفكَّنُون أن تتندمونَ وقُرِىءَ فظِلتم بالكسرِ وفظللِتُم على الأصل.