التفاسير

< >
عرض

فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
-الواقعة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَكَانَتْ } أي فصارتْ بسببِ ذلك { هَبَاء } غباراً { مُّنبَثّاً } منتشراً { وَكُنتُمْ } إما خطابٌ للأمةِ الحاضرةِ والأممِ السالفةِ تغليباً أو للحاضرةِ فقط { أَزْوٰجاً } أي أصنافاً { ثَلَـٰثَةً } فكلُّ صنفٍ يكونُ مع صنفٍ آخرَ في الوجودِ أو في الذكرِ فهو زوجٌ. وقولُه تعالى:

{ فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } تقسيمٌ وتنويعٌ للأزواجِ الثلاثةِ معَ الإشارةِ الإجماليةِ إلى أحوالِهم قبلَ تفصيلِها. فقولُه تعالَى فأصحابُ الميمنةِ مبتدأً وقولُه ما أصحابُ الميمنةِ خبرُه على أنَّ ما الاستفهاميةَ مبتدأٌ ثانٍ ما بعده خبرُهُ والجملةُ خبرُ الأولِ، والأصلُ ما هُم أيْ أيُّ شيءٍ هم في حالِهم وصفتِهم فإنَّ ما وإنْ شاعتْ في طلبِ مفهومِ الاسمِ والحقيقةِ لكنَّها قد يُطلبُ بها الصفةُ والحالُ، وتقولُ ما زيدٌ فيقالُ عالمٌ أو طبـيبٌ فوضعُ الظاهرِ موضعَ الضميرِ لكونِه أدخلَ في التفخيمِ، وكذا الكلامُ في قولِه تعالى: { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } والمرادُ تعجيبُ السامعِ من شأنِ الفريقينِ في الفخامةِ والفظاعةِ كأنَّه قيلَ فأصحابُ الميمنةِ في غاية حسنِ الحالِ وأصحابُ المشأمةِ في نهاية سوءِ الحالِ. وتكلمُوا في الفريقينِ، فقيلَ أصحابُ الميمنةِ أصحابُ المنزلةِ السنيةِ وأصحابُ المشأمةِ أصحابُ المنزلةِ الدنيةِ أخذاً من تيمُّنهم بالميامنِ وتشاؤمِهم بالشمائلِ، وقيلَ الذينَ يُؤتَون صحائفهم بأيمانِهم والذينَ يُؤتونها بشمائِلهم، وقيلَ الذينَ يُؤخذُ بِهم ذاتَ اليمينِ إلى الجنَّةِ والذينَ يؤخذُ بهم ذاتَ الشمالِ إلى النارِ، وقيلَ: أصحابُ اليُمنِ وأصحابُ الشؤمِ فإن السعداءَ ميامينَ على أنفسِهم بطاعاتِهم والأشقياءُ مشائيمُ عليها بمعاصِيهم. وقولُه تعالَى: { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } هُو القِسمُ الثالثُ من الأزواجِ الثلاثةِ ولعلَّ تأخيرَ ذكرِهم مع كونِهم أسبقَ الاقسامِ وأقدمَهم في الفضلِ ليقترنَ ذكرُهم ببـيانِ محاسنِ أحوالِهم، على أنَّ إيرادَهُم بعنوانِ السبقِ مُطلقاً معربٌ عن إحرازِهم لقصبِ السبقِ من جميعِ الوجوهِ وتكلمُوا فيهم أيضاً فقيلَ هم الذينَ سبقُوا إلى الإيمانِ والطاعةِ عند ظهورِ الحقِّ من غير تلعثمٍ وتوانٍ، وقيلَ: الذينَ سبقوا في حيازةِ الفضائلِ والكمالاتِ، وقيلَ هُم الذينَ صلَّوا إلى القبلتينِ كما قالَ تعالى: { { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأَنْصَـٰرِ } [سورة التوبة، الآية 100] وقيلَ هم السابقونَ إلى الصلواتِ الخمسِ، وقيل: المسارعونَ في الخيراتِ. وأيَّاً ما كانَ فالجملةُ مبتدأٌ وخبرٌ. والمَعْنى والسابقونَ هم الذينَ اشتهرتْ أحوالُهم وعرفتْ محاسنُهم، كقولِ أبـي النَّجم:

أنَا أبُو النَّجم وشِعْرِي شِعْرِي

وفيهِ من تفخيمِ شأنِهم والإيذانِ بشيوعِ فضلِهم واستغنائِهم عن الوصفِ بالجميلِ ما لا يَخْفى، وقيلَ والسابقونَ إلى طاعةِ الله تعالى السابقونَ إلى رحمتِه أو السابقونَ إلى الخيرِ السابقونَ إلى الجنةِ.