التفاسير

< >
عرض

فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
٧٨
لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ
٧٩
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ
٨٣
-الواقعة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فِى كِتَـٰبٍ مَّكْنُونٍ } أي مصونٍ من غيرِ المقربـين من الملائكةِ لا يطلعُ عليه مَنْ سواهم وهو اللوحُ { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } إمَّا صفةٌ أخرى لكتاب فالمرادُ بالمطهرين الملائكةُ المنزهون عن الكدوراتِ الجُسمانيةِ وأوضارِ الأوزارِ أو للقرآنِ فالمرادُ بهم المطهرون من الأحداثِ فيكون نفياً بمعنى النهي أي لا ينبغي أنْ يمسَّه إلا من كان على طهارةٍ من الناسِ على طريقةِ قولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: "المسلمُ أخُو المسلمِ لا يظلمُه ولا يُسلُمه" أي لا ينبغي له أن يظلَمه أو يُسلَمه إلى مَنْ يظلمُه وقيلَ: لا يطلبه إلا المطهرون من الكفرِ وقرىء المُتطهرونَ والمُطَّهرونَ بالإدغامِ والمُطْهرون من أطهرَهُ بمعنى طهَّره والمطَّهروَن أي أنفسهَم أو غيرَهم بالاستغفارِ أو غيرِه { تَنزِيلٌ مّن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } صفةٌ أخرى للقرآن وهو مصدرٌ نعت به حتى جرى مجرى اسمِه وقُرىء تنزيلاً { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } الذي ذكرتُ نعوتُه الجليلةُ الموجبةُ لإعظامِه وإجلالِه وهو القرآنُ الكريمُ { أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } أي متهاونونَ به كمن يُدْهِنُ في الأمرِ أي يُلينُ جانبه ولا يتصلبُ فيه تهاوناً به { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } أي شكرَ رزقكم { أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } أي تضعونَ التكذيبَ موضعَ الشكرِ وقرىء وتجعلون شُكركم أنَّكم تكذبونَ أي تجعلون شكركم لنعمةِ القرآن أنكم تكذبونَ به وقيل: الرزقُ المطرُ والمعنى وتجعلونَ شكرَ ما يرزقكم الله تعالى من الغيثِ أنكم تكذبونَ بكونِه من الله تعالى حيثُ تنسُبونه إلى الأنواءِ والأولُ هو الأوفقُ لسباق النظم الكريمِ وسياقهِ فإنَّ قولَه عزَّ وجلَّ:

{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } إلخ تبكيتٌ مبـنيٌّ على تكذيبِهم بالقرآنِ فيما نطقَ به قولُه تعالى نحنُ خلقناكُم إلى هُنا من القوارعِ الدالةِ على كونِهم تحتَ ملكوتِه تعالى من حيثُ ذواتُهم ومن حيث طعامُهم وشرابُهم وسائرُ أسبابِ معايشِهم كما ستقفُ عليه، ولولا للتحضيضِ لإظهارِ عجزِهم وإذَا ظرفيةٌ أي فهلاَّ إذَا بلغتْ النفسُ أي الروحُ وقيل: نفسُ أحدِكم الحلقومِ وتداعتْ إلى الخروجِ.