التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢
هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
-الحديد

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية، وقيل مدنية وآيُها تسع وعشرون

{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } التَّسبـيحُ تنزيهُ الله تعَالى اعتِقاداً وقَولاً وعملاً عمَّا لاَ يليقُ بجنابِه سُبحانَهُ منْ سبَحَ في الأرضِ والماء إذا ذهبَ وأبعدَ فيهمَا وحيثُ أُسندَ هَهُنا إلى غيرِ العُقلاءِ أيضاً فإنَّ ما في السمواتِ والأرضِ يعمُّ جميعَ ما فيهمَا سواءً كانَ مستقراً فيهما أو جُزءاً منهَما كما مرَّ في آيةِ الكرسيِّ. أُريدَ به مَعْنى عامٌّ مجازيٌّ شاملٌ لما نطقَ به لسانُ المقالِ كتسبـيحِ غيرِهم فإنَّ كلَّ فردٍ من أفرادِ الموجوداتِ يدلُّ بإمكانِه وحدوثِه على الصانعِ القديمِ الواجبِ الوجودِ المُتَّصفِ بالكمالِ المُنزهِ عن النُّقصانِ وهُو المرادُ بقولِه تعالى: { { وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } [سورة الإسراء، الآية 44] وهُو متعدَ بنفسِه كما في قولِه تعالَى: وسبِّحُوه. واللامُ إمَّا مَزيدةٌ للتأكيدِ كما في نصحتُ لَهُ وشكرتُ لَهُ أو للتعليلِ أي فَعَل التسبـيحَ لأجلِ الله تعالَى وخَالِصاً لوجهِه، ومجيئُه في بعض الفواتحِ ماضياً وفي البعضِ مضارعاً للإيذانِ بتحقّقِه في جميعِ الأوقاتِ، وفيهِ تنبـيهٌ على أنَّ حقَّ مَنْ شأنُه التسبـيحُ الاختياريُّ أنْ يُسبِّحهُ تعالَى في جميعِ أوقاتِه كما عليهِ الملأُ الأَعلى حيثُ يُسبحونَ الليلَ والنهارَ لاَ يفترُونَ { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } القادرُ الغالبُ الذي لاَ يُمانعُه ولا يُنازِعُه شيءٌ { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعلُ إلا ما تقتضيهِ الحكمةُ والمصلحةُ، والجملةُ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقررٌ لمضمون ما قبلَهُ مشعرٌ بعلة الحكمِ وكَذا قولُه تعالَى: { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي التصرفُ الكليُّ فيهَما وفيمَا فيهما مِنَ الموجوداتِ من حيثُ الإيجادُ والإعدامُ وسائرُ التصرفاتِ مما نعلمُه وما لا نعلمُه. وقولُه تعالَى:

{ يُحْيي وَيُمِيتُ } استئنافٌ مبـينٌ لبعضِ أحكامِ المُلكِ والتصرفِ. وجعلُه حالاً من ضميرٍ لهُ ليسَ كَما ينبغِي { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء } منَ الأشياءِ التي مِنْ جُمْلتها ما ذكِرَ منَ الإحياءِ والإماتِه { قَدِيرٌ } مُبالغٌ في القُدرةِ { هُوَ ٱلأَوَّلُ } السابقُ على سائرِ الموجُوداتِ لِما أنَّه مُبدئها ومُبدعُها { وَٱلآخِرُ } الباقي بعدَ فنائِها حقيقةً أوْ نظراً إلى ذاتها مع قطعِ النَّظرِ عن مُبقيها فإن جميعَ الموجوداتِ المُمكنةِ إذا قُطعَ النظرُ عن علتِها فهيَ فانيةٌ { وَٱلظَّـٰهِرُ } وجُوداً لكثرة دلائلِه الواضحةِ { وَٱلْبَـٰطِنُ } حقيقةً فلا تحومُ حولَهُ العقولُ. والواوُ الأُولى والأخيرةُ للجمعِ بـينَ الوصفينِ المُكتنفينِ بهمَا والوُسطى للجمعِ بـين المجموعينَ فهو متصفٌ باستمرارِ الوجودِ في جميعِ الأوقاتِ والظهورِ والخفاءِ { وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } لاَ يعزُبُ عنْ علمِه شيءٌ منَ الظَّاهرِ وَالخفيِّ.