التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
-المجادلة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ } أيْ توسعُوا وليفسحْ بعضُكُمْ عنْ بعضِ ولا تتضامُّوا منْ قولِهم أفسحْ عَنِّي أيْ تنحَّ وقُرِىءَ تفاسحُوا وقولِهِ تَعَالى: { فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ } متعلقٌ بقيلَ وقُرِىءَ في المجلسِ عَلى أنَّ المرادَ بِهِ الجنسُ وقيلَ: مجلسُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وكانُوا يتضامُّون تنافساً في القُربِ منهُ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ حِرْصاً على استماعِ كلامِهِ وقيلَ: هو المجلسُ منْ مجالسِ القتالِ وهيَ مركزُ الغُزاةِ كقولِهِ تَعَالى: { { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [سورة آل عمران، الآية 121] قيلَ: كانَ الرجلُ يأتي الصفَّ ويقولُ: تفسحُوا فيأبَونَ لِحرصِهم عَلى الشهادةِ وقُرِىءَ فِي المجلَسِ بفتح اللامِ فَهُو متعلقٌ بتفسحُوا قطعاً أيْ توسعُوا فِي جلوسِكم ولا تتضايقُوا فيه { فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي فِي كلِّ ما تريدونَ التفسحَ فيهِ منَ المكانِ والرزقِ والصدرِ والقَبرِ وغيرِهَا { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ } أي انهضُوا للتوسعةِ عَلى المقبلينَ أوْ لِمَا أمرتمْ بِهِ منْ صلاةٍ أو جهادٍ أو غَيرِهِمَا منْ أعمالِ الخيرِ { فَانشُزُواْ } فانهضُوا ولا تتثبطُوا ولا تفرطُوا وقرىءَ بكسرِ الشينِ { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ } بالنصرِ وحسنِ الذكرِ في الدُّنيا والإيواءِ إلى غُرفِ الجنانِ في الآخرةِ { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } منهُمْ خصوصاً { دَرَجَـٰتٌ } عالية بما جمعُوا منْ أثرتي العلمِ والعملِ فإنَّ العلمَ معَ علوِّ رتبتِه يقتضِي العملُ المقرونُ بهِ مزيدَ رفعةٍ لا يدركُ شأوَهُ العملُ العارِيُّ عَنْهُ وإنْ كانَ في غايةِ الصلاحِ ولذلكَ يقتدي بالعالمِ في أفعالِه ولا يقتدَى بغيرِهِ وفي الحديثِ: "فضلُ العالمِ عَلى العابِدِ كفضلِ القمرِ ليلة البدرِ عَلى سائرِ الكواكبِ" { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } تهديدٌ لمنْ لمْ يمتثلْ بالأمرِ وقُرِىءَ يعملونَ بالياءِ التحتانيةِ.

{ يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَـٰجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ } في بعضِ شؤونكُم المهمةِ الداعية إلى مناجاتِهِ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ: { فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَةً } أيْ فتصدقُوا قبلَها مستعارٌ ممنْ لهُ يدانِ وفي هذا الأمرِ تعظيمُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وإنفاعُ الفقراءِ والزجرُ عنِ الإفراطِ في السؤالِ والتميـيزُ بـينَ المخلصِ والمنافقِ ومحبِّ الآخرةِ ومحبِّ الدُّنيا واختلفَ في أنَّه للندبِ أو للوجوبِ لكنهُ نُسِخَ بقولِهِ تَعَالى: { { أَءشْفَقْتُمْ } [سورة المجادلة، الآية 13] وهُوَ وإنْ كَان متصلاً بِهِ تلاوةً لكنَّه متراخٍ عَنْهُ نزولاً وَعَنْ عليَ رضيَ الله عنهُ: "إنَّ فِي كتابِ الله آيةً ما عَمِلَ بِهَا أحدٌ غَيْرِي كانَ لي دينارٌ فصرفتُه فكنتُ إذَا ناجيتُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ تصدقتُ بدرهم" وهُوَ على القولِ بالوجوبِ محمولٌ على أنَّه لمْ يتفقْ للأغيناءِ مناجاةٌ في مدةِ بقائِه إذْ رُوي أنَّه لمْ يَبقَ إلاَّ عشراً وقيل: إلاَّ ساعةً { ذٰلِكَ } أي التصدق { خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ } أيْ لأنفسكم منَ الريبةِ وحبِّ المَالِ وهذا يشعرُ بالندبِ لكنَّ قولِهُ تَعَالى: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } منبىءٌ عنِ الوجوبِ لأنَّه ترخيصٌ لمنْ لَمْ يجدْ فِي المناجَاةِ بلا تصدقٍ.