التفاسير

< >
عرض

ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٣
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٤
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٥
-المجادلة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَءشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَـٰتٍ } أيْ أخفتمْ الفقرَ منْ تقديمِ الصدقاتِ أو أخفتمْ التقديمَ لما يعدكُم الشيطانُ عليهِ منَ الفقرِ وجمعَ صدقاتٍ لجمعِ المخاطبـينَ { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ } ما أمرتمْ بهِ وشَقَّ عَليكُمْ ذلكَ { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } بأنْ رخصَ لكُم أنْ لا تفعلُوه وفيه إشعارٌ بأنَّ إشفاقَهُم ذنبٌ تجاوزَ الله عنْهُ لما رأى منهم منَ الانفعالِ مَا قامَ مقَام توبتهِم وإذْ عَلى بابِهَا مِنَ المُضيِّ وقيلَ: بِمَعْنى إذَا كَمَا في قولِهِ تَعَالى: { { إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } [سورة غافر، الآية 71] وقيلَ: بمعنى إنْ: { فأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ } أيْ فإذْ فرطتُم فِيمَا أُمِرتُمْ بهِ منْ تقديمِ الصدقاتِ فتداركُوه بالمثابرةِ عَلى إقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في سائرِ الأوامرِ فإنَّ القيامَ بِها كالجابرِ لما وقعَ في ذلكَ من التفريطِ { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ظاهراً وباطناً { أَلَمْ تَرَ } تعجيب منْ حالِ المنافقينَ الذين كانُوا يتخذونَ اليهودَ أولياءَ ويناصحونَهُم وينقلونَ إليهم أسرارَ المؤمنينَ أيْ ألمْ تنظُرْ { إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ } أيْ والوْا { قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } وَهُمْ اليهودُ كَمَا أنبأ عَنْهُ قولِهِ تَعَالى: { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [سورة المائدة، الآية 60] { مَّا هُم مّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } لأنهم منافقونَ مذبذبونَ بـينَ ذلكَ والجملةُ مستأنفةٌ أو حالٌ منْ فاعِلِ تولُوا { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ } أي يقولونَ والله إنَّا لمسلمونَ وهو عطفٌ عَلى تولَّوا داخلٌ في حُكمِ التعجيبِ وصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على تكرر الحلفِ وتجددِّهِ حسبَ تكررِ ما يقتضيهِ وقولِهِ تَعَالى: { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } حالٌ منْ فاعِلِ يحلفونَ مفيدةٌ لكمال شناعةِ ما فعلُوا فإنَّ الحلفَ عَلى مَا يُعلمُ أنَّه كذبٌ في غايةِ القُبحِ وفيهِ دلالةٌ على أنَّ الكذبَ يعمُّ ما يعلمُ المخبرُ عدمَ مطابقتهِ للواقعِ وما لا يعلمُه. رُوي " أنَّه عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ كانَ في حجرةٍ من حجراتِه فقال: يدخلُ عليكُم الآن رجلٌ قلبُه قلبُ جبارٍ، وينظرُ بعينِ شيطانٍ فدخلَ عبدُ اللَّهِ بن نَبْتَل المنافقُ، وكان أزرقَ، فَقَالَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: علامَ تشتمني أنتَ وأصحابُك فحلفَ بالله ما فعلَ فقالَ عليِه الصلاة والسلامُ: فانطلق فجاءَ بأصحابُه فحلفُوا بالله ما سبُّوهفعلتَ" فنزلتْ.

{ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } بسببِ ذلكَ { عَذَاباً شَدِيداً } نوعاً من العذابِ متفاقماً { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فيما مَضَى منَ الزمانِ المتطاولِ فتمرنُوا على سوءِ العمل وضرُوْا به وأصرُّوا عليه.