التفاسير

< >
عرض

ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٦
لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١٧
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ
١٨
-المجادلة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } الفاجرةَ التي يحلفونَ بِهَا عندَ الحاجَةِ وقُرِىءَ بكسرِ الهمزةِ أيْ إيمانُهُم الذي أظهروه لأهل الإسلامِ { جُنَّةُ } وقايةً وسترةً دونَ دمائِهم وأموالِهم فالاتخاذُ على هذهِ القراءةِ عبارةٌ عن التسترِ بما أظهروه بالفعلِ وأمَّا عَلى القراءةِ الأولى عبارةٌ عن إعدادِهم لأيمانِهم الكاذبةِ وتهيئتِهم لَها إلى وقتِ الحاجةِ ليحلفوا بِهَا ويتخلصُوا من المؤاخذةِ لا عنِ استعمالِها بالفعلِ فإنَّ ذلك متأخرٌ عنِ المؤاخذة المسبوقةِ بوقوعِ الجنايةِ والخيانةِ، واتخاذُ الجُنَّةِ لاَ بُدَّ أنْ يكونَ قبلَ المؤاخذةِ وعن سبَبِها أيضاً كَمَا يعربُ عنْهُ الفاءُ في قولِهِ تَعَالى: { فَصَدُّواْ } أي الناس { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } في خلالِ أمنهِم بتثبـيطِ من لقوْا عنِ الدخولِ في الإسلامِ وتضعيفِ أمرِ المسلمينَ عندهُمْ { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } وعيدٌ ثانٍ بوصفٍ آخرَ لعذابِهم وقيلَ: الأولُ عذابُ القبرِ وَهَذا عذابُ الآخرةِ. { لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم مّنَ ٱللَّهِ } أي منْ عذابِه تَعَالى { شَيْئاً } منَ الإغناءِ رُوي أنَّ رجلاً منهم قالَ: لنُنصَرَنَّ يومَ القيامَةِ بأنفسنا وأموالِنا وأولادِنا { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفونَ بما ذكرَ منَ الصفاتِ القبـيحةِ { أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } أيْ ملازمُوهَا ومقارنُوهَا { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } لا يخرجونَ منها أبداً { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً } قيلَ: هو ظرفٌ لقولِهِ تَعَالى: { لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } { فَيَحْلِفُونَ لَهُ } أيْ لله تعالى يومئذٍ على أنهُمْ مسلمونَ { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } فِي الدُّنيا { وَيَحْسَبُونَ } في الآخرةِ { أَنَّهُمْ } بتلكَ الأيمانِ الفاجرةِ { عَلَىٰ شَىْء } من جلبِ منفعةٍ أو دفعِ مضرةٍ كما كانُوا عليهِ في الدُّنيا حيثُ كانوا يدفعونَ بِهَا عنْ أرواحِهم وأموالِهم ويستجرونَ بها فوائدَ دنيويةً { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } البالغونَ في الكذبِ إلى غايةٍ لا مطمحَ وراءَها حيثُ تجاسرُوا عَلى الكذبِ بـينَ يَدي علاَّمِ الغيوبِ وزعمُوا أنَّ أيمانَهُم الفاجرةَ تروجُ الكذبَ لديهِ كَمَا تروجُهُ عندَ الغافلينَ.