التفاسير

< >
عرض

فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥
-المجادلة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَمَن لَّمْ يَجِدْ } أيْ الرقبةَ { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ } أيْ فعليهِ صيامُ شهرينِ { مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } ليلاً أوْ نهاراً عمداً أَوْ خطأً { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } أيْ الصيامَ لسببٍ منَ الأسبابِ { فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً } لكُلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ منْ بُرَ أَوْ صاعٌ منْ غيرِهِ ويجبُ تقديمُهُ عَلَى المسيسِ لكن لا يستأنفُ إنْ مسَّ في خلالِ الإطعامِ { ذٰلِكَ } إِشارةٌ إِلى مَامرَّ من الباينِ والتعليمِ للأحكامِ والتنبـيُهُ عليهَا وَمَا فيهِ منْ معنى البُعدِ قَد مَرَّ سرُّهُ مِراراً ومحلُّه إمَّا الرفعُ عَلَى الابتداءِ أو النصبُ بمضمرٍ معللٌ بَما بعدَهُ أيْ ذلكَ واقعٌ أو فعلُنَا ذلكَ { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وتعملُوا بشرائعِهِ التي شرعَهَا لكُم وترفضُوا ما كنتُم عليه في جاهليتِكُم { وَتِلْكَ } إشارةٌ إِلى الأحكامُ المذكورةِ وما فيه من مَعْنى البُعدِ لتعظيمِها كما مَرَّ غيرَ مرةٍ { حُدُودَ ٱللَّهِ } التِي لا يجوزُ تعدِّيهَا { وَلِلْكَـٰفِرِينَ } أي الذينَ لا يعملونَ بَها { عَذَابٌ أَلِيمٌ } عبرَ عنْهُ بذلكَ للتغليظِ عَلَى طريقةِ قولِهِ تَعَالَى: { { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [سورة آل عمران، الآية 97].

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أيْ يعادونَهُمَا ويشاقونهُمَا فإنَّ كلاًّ منَ المتعاديـينِ كَما أنَّه يكونُ في عُدوةٍ وشقٍ غيرِ عُدوةِ الآخرِ وشقِّهِ كذلكَ يكونُ في حدَ غيرِ حَدِّ الآخرِ غيرَ أنَّ لورودِ المحادّةِ في أثناءِ ذكرِ حدودِ الله دونَ المعاداةِ والمشاقةِ من حسنِ الموقعِ ما لا غايةَ وراءَهُ { كُبِتُواْ } أيْ أخزُوا وَقيلَ خُذِلُوا وقيلَ أذلُّوا وقيل أهلكُوا وقيلَ لُعنُوا وقيلَ غِيظُوا وهُوَ ما وقعَ يومَ الخندقِ قالُوا معَنْى كُبتوا سيكبتونَ عَلَى طريقةِ قولِه تَعَالَى: { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [سورة النحل، الآية 1] وقيلَ: أصلُ الكبتِ الكبُّ { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } منْ كُفَّارِ الأممِ الماضيةِ المعادينَ للرسلِ عليهمْ الصلاةُ والسلامُ { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } حالٌ منْ واوِ كُبتوا أيْ كُبتوا لمحادّتِهم والحالُ أنا قدْ أنزلنا آياتٍ واضحاتٍ فيمنَ حادَّ الله ورسولَهُ ممنْ قبلَهُم من الأَممِ وفيمَا فعلْنَا بهمْ وقيلَ: آياتٌ تدلُّ عَلى صدقِ الرسولِ وصحةِ ما جَاء بهِ { وَلِلْكَـٰفِرِينَ } أيْ بتلكَ الآياتِ أو بكلِّ ما يجبُ الإيمانُ بهِ فيدخلُ فيهِ تلكَ الآياتُ دُخولاً أولياً { عَذَابٌ مُّهِينٌ } يذهبُ بعزِّهم وَكِبْرِهم.