التفاسير

< >
عرض

لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
٢٠
لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ
٢٢
هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٢٣
-الحشر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } الذينَ نسُوا الله تعالَى فاستحقُّوا الخلودَ في النارِ. { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } الذينَ اتَقوا الله فاستحقُّوا الخلودَ في الجنة، ولعلَّ تقديمَ أصحابِ النارِ في الذكرِ للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ القصورَ الذي ينبىءُ عنه عدمُ الاستواءِ من جهتِهِم لا من جهةِ مقابلِيهِم فإن مفهومَ عدمِ الاستواءِ بـين الشيئينِ المتفاوتينِ زيادةً ونقصاناً وإن جازَ اعتبارُهُ بحسبِ زيادةُ الزائدِ، لكنْ المتبادرُ اعتبارُهُ بحسبِ نقصانِ الناقصِ، وعليهِ قولُهُ تعالى: { { هَلْ يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ } [سورة الزمر، الآية 9] إلى غيرِ ذلكَ منَ المواقعِ وأما قولُهُ تعالى { { هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [سورة الرعد، الآية 16] فلعلَّ تقديمَ الفاضلِ فيهِ لأنَّ صلَتَهُ ملكةٌ لصلةِ المفضولِ والاعدامُ مسبوقةٌ بملكاتِهَا وَلاَ دلالةَ في الآيةِ الكريمةِ على أنَّ المسلمَ لا يقتصُّ بالكافرِ وأنَّ الكفارَ لا يملكونَ أموالَ المسلمينَ بالقهرِ لأنَّ المرادَ عدمُ الاستواءِ في الأحوالِ الأخرويةِ كما ينبىءُ عنه التعبـيرُ عن الفريقينِ بصاحبـيةِ النَّارِ وصاحبـيةِ الجنَّةِ وكذا قولُهُ تعالى: { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } فإنَّه استئنافٌ مبـينٌ لكيفةِ عدمِ الاستواءِ بـينَ الفريقينِ أي هُم الفائزونَ بكلِّ مطلوبٍ الناجونَ عنْ كلِّ مكروهٍ.

{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ } العظيمَ الشأنِ المنطويَ على فنونِ القوارعِ { عَلَىٰ جَبَلٍ } من الجبالِ { لَّرَأَيْتَهُ } مع كونِهِ عَلماً في القسوةِ وعدمِ التأثرِ مما يصادِمُهُ { خَـٰشِعاً مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي متشققاً منها. وقُرِىءَ مُصَدَّعاً بالإدغامِ وهذا تمثيلٌ وتخيـيلٌ لعلوِّ شأنِ القرآنِ وقوةِ تأثيرِ ما فيهِ من المواعظِ كما ينطقُ به قولُهُ تعالى: { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أُريدَ به توبـيخَ الإنسانِ على قسوةِ قلبهِ وعدم تخشعِهِ عندَ تلاوتِهِ وقلةِ تدبرِهِ فيه { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } وَحْدَهُ { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي ما غابَ عن الحسِّ من الجَوَاهِرِ القُدسيةِ وأحوالِهَا وما حضرَ لهُ من الأجرامِ وأعراضِهَا. وتقديمُ الغيبِ على الشهادةِ لتقدمِهِ في الوجودِ وتعلقِ العلمِ القديمِ به. أو المعدُوم والموجودُ أو السرُّ والعلانيةُ { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كُرِّرَ لإبرازِ الاعتناءِ بأمرِ التوحيدِ { ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ } البليغُ في النزاهةِ عما يوجبُ نُقْصاناً مَا. وقُرِىءَ بالفتحِ وهي لغةٌ فيهِ { ٱلسَّلَـٰمُ } ذُو السلامةِ من كلِّ نقصٍ وآفةٍ، مصدرٌ وصفَ بهِ للمبالغةِ { ٱلْمُؤْمِنُ } واهبُ الأمنِ. وقُرِىءَ بالفتحِ بمَعْنَى المُؤْمَنُ بهِ على حذفِ الجارِّ { ٱلْمُهَيْمِنُ } الرقيبُ الحافظُ لكلِّ شيءٍ مُفَيْعِلٌ منْ الأمن بقلبِ همزتِهِ هاءً { ٱلْعَزِيزُ } الغالبُ { ٱلْجَبَّارُ } الذي جبرَ خلقَهُ على ما أرادَ، أو جبرَ أحوالَهُم، أي أَصْلَحَها { ٱلْمُتَكَبّرُ } الذي تكبرَ عن كلِّ ما يوجبُ حاجةً أو نُقصاناً، أو البليغُ الكبرياءِ والعظمةِ { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيهٌ له تعالَى عمَّا يشركُونَهُ به تعالى أو عن إشراكِهِم به تعالى إثرَ تعدادِ صفاتِهِ التي لا يمكِنُ أنْ يشارِكَهُ تعالَى في شيءٍ منها شيءٌ ما أصلاً.