التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ
٣
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤
مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الحشر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَء } أي الخروجَ عن أوطانِهِم على ذلك الوجهِ الفظيعِ { لَعَذَّبَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا } بالقتلِ والسَّبـي كما فعلَ ببني قريظة { وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } استئنافٌ غيرُ متعلقٍ بجوابِ لولا جيءَ به لبـيانِ أنَّهُم إنْ نجَوا من عذابِ الدُّنيا بكتابةِ الجلاءِ لا نجاةَ لهم منْ عذابِ الآخرةِ { ذٰلِكَ } أي ما حاقَ بهم وما سيحيقُ { بِأَنَّهُمْ } بسببِ أنهم { شَاقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } وفعلُوا ما فعلُوا مما حُكَي عنهُم من القبائحِ { وَمَن يُشَاقّ ٱللَّهَ } وقُرِىءَ يشاققِ الله كما في الأنفالِ والاقتصارُ على ذكرِ مشاقَّتِهِ تعالى لتضمُّنِها لمشاقَّتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وليوافقَ قولَهُ تعالى { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } وهو إمَّا نفسُ الجزاءِ قد حُذِفَ منه العائدُ إلى عندِ منْ يلتزمُهُ أي شديدُ العقابِ له أو تعليلٌ للجزاءِ المحذوفِ أي يعاقبُهُ الله فإنَّ الله شديدُ العقابِ وأيَّاً مَا كانَ فالشرطيةُ تكملةٌ لما قبلها وتقريرٌ لمضمونِهِ وتحقيقٌ للسببـيةِ بالطريقِ البرهانيِّ كأنه قيلَ ذلك الذي حاقَ بهم من العقابِ العاجلِ والآجلِ بسببِ مشاقَّتِهِم لله تعالى ورسولِهِ، وكلُّ من يشاقَّ الله كائناً مَنْ كان فلهُ بسببِ ذلكَ عقابٌ شديدٌ فإذنْ لهم عقابٌ شديدٌ { مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ } أيْ أيُّ شيءٍ قطعتُمْ من نخلةٍ وهي فِعْلَةٌ من اللَّوْنِ وياؤُهَا مقلوبةٌ من واوٍ لكسرةِ مَا قَبْلها كَدِيمةٍ وتجمعُ على ألوانٍ وقيلَ من اللينِ وتجمعُ على لِينٍ وهيَ النخلةُ الكريمةُ { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا } الضميرُ لِمَا وتأنيثُهُ لتفسيرِهِ باللينةِ كما في قولِهِ تعالى: { { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } [سورة فاطر، الآية 2] { قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا } كما كانتْ منْ غيرِ أنْ تتعرضُوا لها بشيءٍ مَا. وقُرِىءَ عَلى أُصُلِهَا إما على الاكتفاءِ من الواوِ بالضمِّ أو على أنه جمعٌ كرُهُنٍ، وقُرِىءَ قائماً على أصُولِهِ ذهاباً إلى لفظِ مَا { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } فذاكَ أي قطعُهَا وتركُهَا بأمرِ الله تعالى: { وَلِيُخْزِىَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي وليذلَّ اليهودَ ويغيظَهُمْ أَذِنَ في قطعِهَا وتركِهَا لأنهُم إذا رأَوا المؤمنينَ يتحكمونَ في أموالِهِمْ كيفَ أحبُّوا ويتصرفونَ فيها حسبما شاؤوا من القطعِ والتركِ يزدادونَ غيظاً ويتضاعفونَ حسرةً واستُدلَّ بهِ على جوازِ هدمِ ديارِ الكفرةِ وقطعِ أشجارِهِم وإحراقِ زروعِهِم زيادةً لغيظِهِم. وتخصيصُ اللينةِ بالقطعِ إنْ كانت من الألوانِ لاستبقاءِ العجوةِ والبَرْنيةِ اللتينِ هما كرامُ النخيلِ وإن كانتْ هي الكرامَ ليكونَ غيظُهُم أشدَّ.