التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٧
-الحشر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُهُ تعالى: { وَمَا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } شروعٌ في بـيانِ حالِ ما أُخِذَ من أموالِهِم بعدَ بـيانِ ما حلَّ بأنفسِهِم من العذابِ العاجلِ والآجلِ وما فُعلَ بديارِهِم ونخيلِهِم من التخريبِ والقطعِ. أي ما أعادَهُ إليهِ من مالِهِم وفيه إشعارٌ بأنه كان حقيقياً بأن يكونَ له عليهِ الصلاةُ والسلامُ وإنما وقعَ في أيديهِم بغير حقَ فرجعه الله تعالى إلى مستحقِّهِ لأنه تعالى خلقَ الناسَ لعبادَتِهِ وخَلقَ ما خَلقَ ليتوسَّلوا به إلى طاعتِهِ فهو جديرٌ بأنْ يكونَ للمطيعينَ { مِنْهُمْ } أي منْ بني النَّضيرِ { فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ } أي فما أجريتُم على تحصيلِهِ وتغنُّمِهِ. من الوجيفِ وهو سرعةُ السيرِ { مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } هي ما يركبُ من الإبلِ خاصَّة كما أن الراكبَ عندهم راكبُهَا لا غيرُ، وأما راكبُ الفرسِ فإنما يسمُّونه فارساً، ولا واحدَ لها من لفظِهَا وإنما الواحدةُ منها راحلةٌ والمعنى ما قطعتُم لها شُقةً بعيدةً ولا لقيتُم مشقةً شديدةً ولا قتالاً شديداً وذلك لأنه كانتْ قُراهم على ميلينِ من المدينةِ فمشَوا إليها مشياً وما كان فيهم راكبٌ إلا النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فافتتحهَا صُلحاً من غيرِ أن يجريَ بـينهم مسايفةٌ كأنَّهُ قيلَ وما أفاءَ الله على رسولِهِ منهم فما حصلتُموه بكدِّ اليمينِ وعرقِ الجبـينِ { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاء } أي سُنَّتهُ تعالَى جاريةٌ على أنْ يسلطَهُم على مَنْ يشاءُ من أعدائِهِم تسليطاً خاصَّاً وقد سلَّط النبـيَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ على هؤلاءِ تسليطاً غيرَ مُعتادٍ من غيرِ أنْ تقتحموا مضايقَ الخُطُوبِ وتُقَاسُوا شدائِدَ الحروبِ فلا حقَّ لكِم في أموالِهِم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيفعلُ ما يشاءُ كما يشاءُ تارةً على الوجوهِ المعهودةِ وأُخْرى على غيرِهَا. وقوله تعالى:

{ مَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } بـيانٌ لمصارفِ الفيءِ بعدَ بـيانِ إفاءتِهِ عليهِ عليه الصلاةُ والسلامُ من غيرِ أن يكونَ للمقاتلةِ فيه حقٌّ وإعادةُ عينِ العبارةِ الأُولى لزيادةِ التقريرِ، ووضعُ أهلِ القُرى موضعَ ضميرِهِم للإشعارِ بشمولِ مَا لعقارَاتِهِم أيضاً { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } اختُلفَ في قسمةِ الفيءِ فقيلَ يُسدَّسُ لظاهرِ الآيةِ ويصرفُ سهمُ الله إلى عمارةِ الكعبةِ وسائرِ المساجدِ، وقيلَ يُخَمَّسُ لأن ذكرَ الله للتعظيمِ ويصرفُ الآنَ سهمُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى الإمامِ على قولٍ، وإلى العساكرِ والثغورِ على قولٍ، وإلى مصالحِ المسلمينَ على قولٍ. وقبلِ يُخَمَّسُ خمسةً كالغنيمةِ فإنه عليهِ الصلاةُ والسلامُ كان يُقسِّمُ الخمسَ كذلكَ ويصرفُ الأخماسَ الأربعةَ كما يشاءُ والآنَ على الخلافِ المذكورِ { كَيْلاَ يَكُونَ } أي الفيءُ الذي حقُّه أن يكونَ للفقراءِ يعيشونَ به { دُولَةً } بضمِّ الدالِ، وقُرِىءَ بفتحِهَا وهيَ ما يدولُ للإنسانِ أيْ يدورُ من الغِنى والجِدِّ والغلبةِ. وقيلِ الدَّولة بالفتحِ من المُلكِ بالضمِّ وبالضمِّ من المِلكِ بكسرِهَا، أو بالضَمِّ في المالِ وبالفتحِ في النصرةِ. أي كيلا يكونَ جِدَّاً { بَيْنَ ٱلأَغْنِيَاء مِنكُمْ } يتكاثرونَ به أو كيلاَ يكونَ دولةً جاهليةً بـينكُمْ؛ فإنَّ الرؤساءَ منهُم كانُوا يستأثرونَ بالغنيمةِ ويقولونَ مَنْ عَزَّ بَزَّ. وقيلَ الدُّولةُ بالضمِّ ما يُتداولُ كالغُرفةِ اسمُ مَا يُغترفُ فالمَعنى كيلا يكونَ الفيْءُ شيئاً يتداولُهُ الأغنياءُ ويتعاورُونَهُ فلا يصيبُ الفقراءَ. والدَّولةُ بالفتحِ بمعنى التداولِ فالمعنَى كيلا يكونَ ذَا تداولٍ بـينَهُم أو كيلا يكونَ إمساكُهُ تداولاً بـينَهُم لا يخرجونَهُ إلى الفقراءِ. وقُرِىءَ دولةٌ بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ، أيْ كيلاَ يقعَ دولةٌ على ما فُصِّلَ منَ المعانِي { وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ } أي ما أعطاكُمُوه من الفيءِ أو منَ الأمرِ { فَخُذُوهُ } فإنه حقُّكم أو فتمسكُوا به فإنه واجبٌ عليكم { وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ } عن أخذِهِ أو عنْ تعاطيهِ { فَٱنتَهُواْ } عنْهُ { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في مخالفَتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ { إنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } فيعاقبُ مَنْ يخالفُ أمرَهُ ونهيَهُ.