التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٦١
-الأنعام

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقوله تعالى: { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } استئناف مبـين لمقادير أجزية العاملين وقد صدر ببـيان أجزية المحسنين المدلول عليهم بذكر أضدادهم. قال عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم: (يريد من عمل من المصدقين حسنة كتبت له عشر حسنات) أي من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين إذ لا حسنة بغير إيمان فله عشر حسنات أمثالها تفضلاً من الله عز وجل وقرىء عشر بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل: المراد بذكر العشر بـيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص { وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ } أي بالأعمال السيئة كائناً من كان من العاملين { فَلا يَجْزِى إِلاَّ مِثْلَهَا } بحكم الوعد واحدة بواحدة { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص الثواب وزيادة العقاب { قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبّى } أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبـين لهم ما هو عليه من الدين الحق الذي يدعون أنهم عليه وقد فارقوه بالكلية وتصدير الجملة بحرف التحقيق لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها والتعرض لعنوان الربوبـية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لمزيد تشريفه أي قل لأولئك المفرقين: أرشدني ربـي بالوحي وبما نصب في الآفاق والأنفسِ من الآيات التكوينية { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } موصلٍ إلى الحق وقوله تعالى: { دِينًا } بدلٌ من إلى صراط فإن محله النصبُ كما في قوله تعالى: { { وَيَهْدِيَكَ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح، الآية 2] أو مفعولٌ لفعل مضمرٍ يدل عليه المذكورُ { قَيِّماً } مصدرٌ نُعت به مبالغةً والقياسُ قِوَماً كعِوَض فاعل لإعلال فعلِه كالقيام وقرىء قيّماً وهو فيْعلٌ من قام كسيّد من ساد وهو أبلغُ من المستقيم باعتبار الزنة وإن كان هو أبلغَ منه باعتبار الصيغة { مِلَّةِ إِبْرٰهِيمَ } عطفُ بـيانٍ لديناً { حَنِيفاً } حالٌ من إبراهيمَ أي مائلاً عن الأديان الباطلةِ، وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } اعتراضٌ مقرِّرٌ لنزاهته عليه السلام عما عليه المفرِّقون لدينه من عقْد وعَمَل أي ما كان منهم في أمر من أمور دينِهم أصلاً وفرعاً، صرّح بذلك رداً على الذين يدّعون أنهم على ملته عليه السلام من أهل مكةَ واليهودِ المشركين بقولهم: عزيرٌ ابنُ الله والنصارى المشركين بقولهم: المسيحُ ابنُ الله.