التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ
٤٠
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
٤١
-الأنعام

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ أَرَأَيْتُكُم } أمرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يُبكِّتَهم ويُلقِمَهم الحجرَ بما لا سبـيل لهم إلى النكير، والكاف حرف جيء به لتأكيد الخطاب لا محلَّ له من الإعراب ومَبْنىٰ التركيب وإن كان على الاستخبار عن الرؤية قلبـية كانت أو بصَرية لكنّ المرادَ به الاستخبارُ عن مُتعلَّقِها أي أخبروني { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } حسبما أتى الأممَ السابقةَ من أنواع العذاب الدنيوي { أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } التي لا محيصَ عنها البتة { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } هذا مناطُ الاستخبار ومحطّ التبكيت وقوله تعالى: { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } متعلق بأرأيتكم مؤكِّد للتبكيت كاشفٌ عن كذبهم، وجوابُ الشرط محذوفٌ ثقةً بدلالة المذكور عليه أي إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهةٌ كما أنها دعواكم المعروفةُ، أو إن كنتم قوماً صادقين فأخبروني أغيرَ الله تدعون إن أتاكم عذابُ الله الخ، فإن صدقهم بأيِّ معنى كان من موجبات إخبارِهم بدعائهم غيرَه سبحانه، وأما جعلُ الجواب ما يدل عليه قولُه تعالى: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } أعني فادعوه على أن الضمير لغير الله فمُخِلٌّ بجزالة النظم الكريم، كيف لا والمطلوبُ منهم إنما هو الإخبارُ بدعائهم غيرَه تعالى عند إتيانِ ما يأتي لا نفسُ دعائهم إياه، وقوله تعالى: { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } عطفٌ على جملة منفيةٍ ينْبىء عنها الجملةُ التي تعلقَ بها الاستخبارُ إنباءً جلياً كأنه قيل: لا غيرَه تعالى تدعون بل إياه تدعون وقوله تعالى { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ } أي إلى كشفه، عطفٌ على تدعون أي فيكشفه إثرَ دعائِكم، وقوله تعالى: { إِن شَاء } أي إن شاء كشفَه لبـيانِ أن قبولَ دعائِهم غيرُ مطَّردٍ، بل هو تابعٌ لمشيئته المبنيةِ على حِكَمٍ خفيةٍ قد استأثر الله تعالى بعلمها فقد يقبلُه كما في بعض دعواتهم المتعلقةِ بكشف العذاب الدنيوي، وقد لا يقبله كما في بعضٍ آخَرَ منها وفي جميع ما يتعلق بكشف العذابِ الأخرويِّ الذي من جملته الساعةُ. وقوله تعالى: { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } أي تتركون ما تشركونه به تعالى من الأصنام تركاً كلياً. عطفٌ على تدعون أيضاً وتوسيطُ الكشفِ بـينهما مع تقارنهما وتأخُرِ الكشف عنهما لإظهار كمال العنايةِ بشأن الكشفِ والأيذان بترتّبه على الدعاء خاصةً.