التفاسير

< >
عرض

لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٦٧
وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
٦٨
وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
٦٩
-الأنعام

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لّكُلّ نَبَإٍ } أي لكل شيءٍ يُنبَأُ به من الأنباء التي من جملتها عذابُكم أو لكلِّ خبرٍ من الأخبار التي من جملتها خبرُ مجيئِه { مُّسْتَقِرٌّ } أي وقتُ استقرارٍ ووقوعٍ البتةَ، أو وقتُ استقرارٍ بوقوعِ مدلولِه { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي حالَ نَبئِكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً، وسوف للتأكيد كما في قوله تعالى: { { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ص، الآية 88].

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } أي بالتكذيب والاستهزاءِ بها والطعنِ فيها كما هو دأْبُ قريشٍ ودَيدَنُهم { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } بترك مُجالستهم والقيامِ عنهم وقولُه تعالى: { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ } غايةٌ للإعراض أي استمِرَّ على الإعراضِ إلى أن يخوضوا في حديثٍ غيرِ آياتنا، والتذكيرُ باعتبار كونها حديثاً فإن وصفَ الحديثِ بمغايرتها مشيرٌ إلى اعتبارها بعُنوان الحديثية وقيل: باعتبار كونِها قرآناً.

{ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } بأن يشغَلَك فتنسىٰ النهْيَ فتُجالِسَهم ابتداءً أو بقاءً، وقرىء يُنَسِّينَّك من التَنْسِية { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } أي بعد تذكُّرِ النهي { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي معهم فوضَعَ المُظهرَ موضِعَ المُضمر نعياً عليهم أنهم بذلك الخوضِ ظالمون، واضعون للتكذيب والاستهزاءِ موضِعَ التصديق والتعظيم راسخون في ذلك { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المسلمين حين نُهوا عن مجالستهم عند خوضِهم في الآيات قالوا: لئن كنا نقول كلما استهزؤا بالقرآن لم نستطِعْ أن نجلِسَ في المسجد الحرام ونطوفَ بالبـيت فنزلت. أي ما على الذين يتقون قبائحَ أعمالِ الخائضين وأحوالَهم { مِنْ حِسَابِهِم } أي مما يُحاسَبون عليه من الجرائر { مِن شَىْء } أي شيءٌ ما على أنه في محل الرفع على أنه مبتدأ، وما تميمية أو اسم لها وهي حجازية و(من) مزيدة للاستغراق و(من حسابهم) حال منه و(على الذين يتقون) في محل الرفع على أنه خبر للمبتدأ أو لما الحجازية على رأي من لا يُجيز إعمالَها في الخبر المقدَّم مطلقاً، أو في محل النصب على رأي من يجوِّز إعمالَها في الخبر المقدّم عند كونه ظرفاً أو حرف جر.

{ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ } استدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم أن يذكِّروهم ويمنعوهم عما هم عليه من القبائح بما أمكن من العِظة والتذكير ويُظهروا لهم الكراهَةَ والنكيرَ، ومحل (ذكرى) إما النصبُ على أنه مصدرٌ مؤكِّد للفعل المحذوف أي عليهم أن يذكّروهم تذكيراً أو الرفع على أنه مبتدأ محذوفُ الخبر، أي ولكن عليهم ذكرى { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي يجتنبون الخوضَ حياءً أو كراهةً لمسَاءتهم، وقد جُوِّز كونُ الضمير للموصول أي يذكّروهم رجاءَ أن يثبُتوا على تقواهم أو يزدادوها.