التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
-الممتحنة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مدنية، وآيُها ثلاث عشرة

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } نزلتْ في حاطبِ ابنِ أبـي بَلْتَعةَ وذلكَ أنَّه لمَّا تجهزَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لغزوةِ الفتحِ كتبَ إلى أهلِ مكةٍ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يريدُكُم فخُذُوا حذْرَكُم وأرسلَهُ مع سارةَ مولاةِ بني المطلبِ فنزلَ جبريلُ عليهِ السلامُ بالخبرِ فبعثَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً وطلحةَ والزبـيرَ والمقدادَ وأبا مرثدٍ وقالَ "انطلقُوا حتى تأتُوا روضةَ خاخٍ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابُ حاطبٍ إلى أهلِ مكةَ فخذُوه منهَا وخلُّوها فإنْ أبتْ فاضربُوا عنقَهَا" فأدركُوهَا ثمةَ فجحدتْ فسلَّ عليٌّ سيفَهُ فأخرجْتَهُ من عقاصِهَا فاستحضَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حاطباً وقال "ما حملكَ على هَذا" فقالَ يا رسولَ الله ما كفرتُ منذ أسلمتُ ولا غششتكَ منذُ نصحتكَ ولكني كنتُ امرءاً ملصَقاً في قريشٍ وليسَ لي فيهم مَنْ يحمي أَهْلِي فأردتُ أن آخذَ عندهُم يداً وقد علمتُ أن كتابـيَ لن يُغْنيَ عنهُم شيئاً فصدَّقَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقبلَ عذرَهُ { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } أي تُوصلونَ إليهم المودَّةَ على أنَّ الباءَ زائدةٌ كما في قولِهِ تعالى { { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [سورة البقرة، الآية 159] أو تلقونَ إليهم أخبارَ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بسببِ المودَّةِ التي بـينكُم وبـينَهُم والجملةُ إما حالٌ مِن فاعلِ لا تتخِذُوا أو صفةٌ لأولياءَ وإبرازُ الضميرِ في الصفاتِ الجاريةِ على غيرِ مَنْ هيَ لهُ إنما يُشترطُ في الإسمِ دونَ الفعلِ أو استئنافٌ { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ } حالٌ من فاعلِ تلقونَ وقيلَ من فاعلِ لا تتخذُوا وقُرِىءَ لِمَا جاءَكُم أي كفرُوا لأجلِ ما جاءكُم بمعنى جعلِ ما هو سببُ الإيمانِ سبباً للكفرِ { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ } أي منْ مكةَ وهو إما حالٌ من فاعلِ كفرُوا أو استئنافٌ مبـينٌ لكفرِهِم وصيغةُ المضارعِ لاستحضارِ الصُّورَةِ وقولِهِ تعالى: { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبّكُمْ } تعليلٌ للإخراجِ وفيهِ تغليبُ المخاطبِ على الغائبِ والتفاتٌ منَ التكلمِ إلى الغَيبةِ للإشعارِ بما يوجبُ الإيمانَ من الأُلوهيةِ والرُّبوبـيةِ { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَاء مَرْضَاتِى } متعلقٌ بلا تتخذُوا كأنَّه قيلَ لا تتولَّوا أعدائِي إن كُنتُم أوليائِي وقولُهُ تعالى: { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } استئنافٌ واردٌ على نهجِ العتابِ والتوبـيخِ أي تُسرونَ إليهِم المودَّةَ أو الأخبارَ بسببِ المودَّةِ { وَأَنَاْ أَعْلَمُ } أيْ والحالُ أنِّي أعلمُ منكُم { بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } ومُطْلعٌ رسولِي عَلى ما تسرونَ فأيُّ طائلٍ لكم في الإسرارِ وقيلَ أعلمُ مضارعٌ والباءُ مزيدةٌ ومَا موصولةٌ أو مصدريةٌ وتقديمُ الإخفاءِ على الإعلانِ قد مرَّ وجهُهُ في قولِهِ تعالى: { { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [سورة البقرة، الآية 77] { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي الاتخاذَ { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } فقد أخطأَ الحقَّ والصوابَ.