التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
-الصف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مدنية، وقيل مكية، وآيُها أربع عشرة

{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الكلامُ فيهِ كالذي مرَّ في نظيره. { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } رُوِيَ أنَّ المسلمينَ قالُوا لو علمنَا أحبَّ الأعمالِ إلى الله تعالى لبذلنَا فيه أموالَنا وأنفسَنا فلما نزلَ الجهادُ كرهوهُ فنزلتْ وماقيل من أن النازل قوله تعالى { { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفّاً } [سورة الصف، الآية 4] بـيّن الاختلال. وروي أنهم قالوا: يا رسول الله لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه، فنزلت: { { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ } [سورة الصف، الآية 10] إلى قوله تعالى { { وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } [سورة الصف، الآية 11] فولَّوا يومَ أحدٍ. وفيه التزامُ أنَّ ترتيبَ الآياتِ الكريمةِ ليسَ على ترتيبِ النزولِ وقيل لما أخبرَ الله تعالى بثوابِ شهداءِ بدرٍ قالتِ الصحابةُ اللَّهم أشهدْ لئِن لقِينا قتالاً لنُفْرغَن فيهِ وُسعنا ففرّوا يومَ أحدٍ فنزلتْ. وقيلَ إنَّها نزلتْ فيمَنْ يتمدحُ كاذباً حيثُ كانَ الرجلُ يقولُ قتلتُ ولم يقتُلْ وطعنتُ ولم يَطعنْ وهكذا، وقيلَ كانَ رجلٌ قد آذَى المسلمينَ يومَ بدرٍ ونكى فيهم فقتَلَهُ صهيبٌ وانتحلَ قتلَهُ آخرُ فنزلتْ في المنتحِلِ. وَقِيلَ نزلتْ في المنافقينَ ونداؤُهم بالإيمانِ تهكمٌ بهم وبإيمانهم وليسَ بذاكَ كما ستعرفُهُ، ولمَ مركبةٌ من اللامِ الجارةِ وما الاستفهاميةِ قد حذفتْ ألفُها تخفيفاً لكثرةِ استعمالِهما معاً كما في عَمَّ وفيمَ ونظائِرِهِما. معنَاها لأيِّ شيءٍ تقولونَ نفعلُ ما لا تفعلونَ من الخيرِ والمعروفِ على أنَّ مدارَ التعبـيرِ والتوبـيخِ في الحقيقةِ عدمُ فعلِهم وإنَّما وجها إلى قولِهِم تنبـيهاً على تضاعفِ معصيتِهِم ببـيانِ أنَّ المنكرَ ليسَ تركَ الخيرِ الموعودِ فقط بلِ الوعدَ بهِ أيضاً، وقد كانُوا يحسبونَهُ معروفاً ولو قيلَ لمَ لا تفعلوا ما تقولونَ لفُهم منهُ أنَّ المنكرَ هُو تركُ الموعودِ { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } بـيانٌ لغايةِ قُبحِ ما فعلوهُ وفرطِ سماجتِه. وكبُرَ من بابِ نِعْمَ وبِئْسَ فيه ضميرٌ مبهمٌ مفسرٌ بالنكرةِ بعدهُ، وأنْ تقولُوا هو المخصوصُ بالذمِّ. وقيل قُصدَ فيهِ التعجبُ من غيرِ لفظِهِ وأُسْندَ إلى أنْ تقولُوا. ونصبُ مقتاً على تفسيرِهِ دلالةٌ على أنَّ قولَهُم ما لا يفعلونَ مقتٌ خالصٌ لا شوبَ فيهِ كبُرَ عندَ من يحقرُ دونَهُ كلُّ عظيمٍ.