التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ
٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
١٠
تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
-الصف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } بالقرآنِ أو المعجزةِ { وَدِينِ ٱلْحَقّ } والملّة الحنيفيةِ { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } ليُعلِيَه على جميعِ الأديانِ المخالفةِ لهُ ولقد أنجزَ الله عزَّ وعلاَ وعدَهُ حيثُ جعلَهُ بحيثُ لم يبقَ دينٌ من الأديانِ إلا وهُو مغلوبٌ مقهورٌ بدينِ الإسلامِ { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } ذلكَ. وقُرِىءَ هُو الذي أرسلَ نبـيَّهُ { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وقُرِىءَ تنجِّيكُم بالتشديدِ. وقولُهُ تعالَى: { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } استئنافٌ وقعَ جواباً عما نشأَ مما قبله كأنَّهم قالوا كيفَ نعملُ أو ماذَا نصنعُ فقيلَ تؤمنونَ بالله الخ. وهو خبرٌ في مَعْنى الأمرِ جيءَ بهِ للإيذانِ بوجوبِ الامتثالِ فكأنه قد وقعَ فأخبرَ بوقوعِهِ ويؤيدُهُ قراءةُ من قرأ { ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَـٰهِدُواْ } وقُرِىءَ تُؤمِنُوا وتُجاهِدُوا على إضمارِ لامِ الأمرِ { ذٰلِكُمْ } إشارةٌ إلى ما ذكرَ من الإيمانِ والجهادِ بقسميه وما فيه من معنى البعدِ لما مرَّ غيرَ مرةٍ { خَيْرٌ لَّكُمْ } على الإطلاقِ، أو منْ أموالِكُم وأنفسِكُم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي أنْ كنتُم من أهلِ العلمِ فإنَّ الجهلةَ لا يعتدُّ بأفعالِهِم، أو إنْ كنتُم تعلمونَ أنَّه خيرٌ لكُم حينئذٍ لأنكُم إذَا علمتُم ذلكَ واعتقدتُموه أحببتُم الإيمانَ والجهادَ فوقَ ما تحبونَ أنفسَكُم وأموالَكُم فتُخلِصونَ وتفلحُونَ { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } جوابٌ للأمرِ المدلولِ عليه بلفظ الخبرِ، أو لشرطٍ أو استفهامٍ دلَّ عليهِ الكلامُ، تقديرُهُ أنْ تؤمنُوا وتُجاهِدوا أو هَلْ تقبلُونَ أن أدلكُم يغفرْ لكُمْ، وجعلُه جواباً لهَلْ أدلكُم بعيدٌ لأنَّ مجردَ الدلالةِ لا يوجبُ المغفرةَ { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ذَلِكَ } أي ما ذكرَ من المغفرةِ وإدخالِ الجناتِ الموصوفةِ بما ذكرَ من الأوصاف الجليلةِ { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذي لا فوزَ وراءَهُ { وَأُخْرَىٰ } ولكُم إلى هذه النعمِ العظيمةِ نعمةٌ أُخرى عاجلةٌ { تُحِبُّونَهَا } وترغبونَ فيهَا، وفيهِ تعريضٌ بأنهم يؤثرونَ العاجلَ على الآجلِ، وقيلَ أُخرى منصوبةٌ بإضمارِ يعطكُمْ، أو تحبونَ، أو مبتدأٌ خبرُهُ { نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ } وهو عَلى الأولِ بدلٌ، أو بـيانٌ، وعلى تقديرِ النصبِ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي عاجلٌ، عطفٌ على نصرٌ على الوجوهِ المذكورةِ. وقُرِىءَ نصراً وفتحاً قريباً على الاختصاصِ، أو على المصدرِ أيْ تُنصرونَ نصراً ويُفتحُ لكم فَتْحاً، أو عَلى البدليةِ من أُخرى على تقدير نصبِهَا، أي يعطكُم نعمةً أُخرى نصراً وفتحاً { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } عطفٌ على محذوفٍ مثل قُل يا أيُّها الذينَ آمنُوا وبشرْ، وعلى تؤمنونَ فإنَّه في معنى آمِنُوا كأنَّه قيلَ آمِنُوا وجاهِدُوا أيُّها المؤمنونَ وبشرْهُم يا أيُّها الرسولُ بما وعدتَهُم على ذلكَ عاجلاً وآجلاً.