التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٦
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٧
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٨
-الصف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُهُ تعالَى:

{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } إمَّا معطوفٌ على إذ الأُولى معمولٌ لعاملِهَا، وإما معمولٌ لمضمرٍ معطوفٍ على عاملِها { بَنِى إِسْرٰءيلَ } ناداهُم بذلكَ استمالةً لقلوبِهِم إلى تصديقه في قولِهِ تعالى: { إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } فإنَّ تصديقَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إيِّاها من أَقْوى الدَّواعِي إلى تصديقِهِم إيَّاه. وقولُهُ تعالَى: { وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى } معطوفٌ على مصدقاً أي داعٍ إلى تصديقِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ مثلَه من حيثُ إن البشارةَ بهِ واقعةٌ في التوارةِ والعاملُ فيهما ما في الرسولِ من مَعْنَى الإرسالِ لا الجارُّ فإنَّه صلةٌ للرسولِ والصلاتُ بمعزلٍ من تضمنِ معنى الفعلِ وعليهِ يدورُ العملُ أي أرسلتُ إليكم حالَ كونِي مصدقاً لما تقدمنِي من التوارةِ ومبشراً بمنْ يأتي من بعدِي من رسولٍ { ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } أي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، يريدُ أنَّ دينيَ التصديقُ بكتبِ الله وأنبـيائِهِ جميعاً ممن تقدمَ وتأخَّر. وقُرِىءَ منْ بعديَ بفتحِ الياءِ { فَلَمَّا جَاءهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي بالمعجزاتِ الظاهرةِ { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } مشيرينَ إلى ما جاءَ به أو إليهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وتسميتُه سحراً للمبالغةِ ويؤيدُه قراءةُ منْ قرأَ هَذا ساحرٌ { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإسْلاَمِ } أيْ أيُّ الناسِ أشدُّ ظُلماً ممن يُدعى إلى الإسلامِ الذي يوصله إلى سعادةِ الدارينِ فيضعَ موضعَ الإجابةِ الافتراءَ على الله عزَّ وجلَّ بقولِهِ لكلامِهِ الذي هو دعاءُ عبادِهِ إلى الحقِّ هذا سحرٌ. أيْ هُو أظلمُ منْ كلِّ ظالمٍ وإنْ لم يتعرضْ ظاهرُ الكلامِ لنفي المُساوِي وقد مرَّ بـيانُهُ غيرَ مرةٍ. وقُرِىءَ يُدّعى يقال دَعَاهُ وادَّعاهُ مثلُ لمسَهُ والتمسَهُ { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي لا يرشدهُم إلى ما فيهِ فلاحُهم لعدمِ توجههم إليهِ { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } أي يريدونَ أنْ يطفئُوا دينَهُ أو كتابَهُ أو حجتَهُ النيرةَ. واللامُ مزيدةٌ لما فيهَا من مَعْنَى الإرادةِ تأكيداً لها، كما زيدَتْ لِما فيها من مَعْنَى الإضافةِ تأكيداً لها في لاَ أبا لكَ أو يريدونَ الافتراءَ ليطفئُوا نورَ الله { بِأَفْوٰهِهِم } بطعنِهِم فيه، مثلتْ حالهُم بحالِ من ينفخُ في نورِ الشمسِ بفيهِ ليطفئَهُ { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } أي مبلِغُهُ إلى غايتِه بنشرِه في الآفاقِ وإعلائِهِ وقُرِىءَ متمٌّ نورَهُ بلا إضافة { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي إرغاماً لهم والجملةُ في حيزِ الحالِ على ما بُـينَ مراراً.