التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
١
ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٣
-المنافقون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مدنية، وآيُها إحدى عشرة

{ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } أي حضرُوا مجلسكَ { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } مؤكدينَ كلامَهُم بأنَّ واللامُ للإيذانِ بأنَّ شهادَتَهُم هذهِ صادرةٌ عن صميمِ قلوبِهِم وخلوصِ اعتقادِهِم ووفورِ رغبتِهِم ونشاطِهِم. وقولُهُ تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } اعتراضٌ مقررٌ لمنطوقِ كلامِهِم وُسِّطَ بـينه وبـينَ قولِهِ تعالى: { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } تحقيـيقاً وتعيـيناً لِما نيطَ به التكذيبُ من أنَّهُم قالُوه عن اعتقادٍ كما أُشيرِ إليهِ وإماطةً من أولِ الأمرِ لما عسى يتوهمُ من توجه التكذيبِ إلى منطوقِ كلامِهِم أيْ والله يشهدُ أنَّهُم لكاذبُونَ فيما ضمَّنُوا مقالتَهُم من أنَّها صادرةٌ عن اعتقادٍ وطمأنينة قلب والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لذمِّهم والإشعارِ بعلةِ الحُكمِ.

{ ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } الفاجرةَ التي منْ جُملتها ما حُكِيَ عنْهُم { جَنَّةُ } أيْ وقايةً عمَّا يتوجَّهُ إليهِمْ منَ المؤاخذةِ بالقتلِ والسبـي أو غيرِ ذلكَ واتخاذُها جنةً عبارةٌ عن إعدادِهِم وتهيئتِهِم لها إلى وقتِ الحاجةِ ليحلِفُوا بهَا ويتخلصُوا عنِ المؤاخذةِ لا عنِ استعمالِهَا بالفعلِ فإنَّ ذلكَ متأخرٌ عنِ المؤاخذةِ المسبوقةِ بوقوعِ الجنايةِ واتخاذُ الجنةِ لا بدَّ أن يكونَ قبلَ المؤاخذةِ وعن سببِهَا أيضاً كما يفصحُ عنهُ الفاءُ في قولِهِ تعالى: { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي قصدُوا منْ أرادَ الدخولَ في الإسلامِ بأنَّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ ليسَ برسولٍ ومن أرادَ الإنفاقَ في سبـيلِ الله بالنَّهيِ عنهُ كما سيُحْكَى عنهُم، ولا ريبَ في أنَّ هذا الصدَّ منهم متقدمٌ على حلفِهِم بالفعلِ وقُرِىءَ إيمانَهُم أي ما أظهرُوهُ على ألسنتِهِم فاتخاذُهُ جنةً عبارةٌ عنِ استعمالهِ بالفعلِ فإنه وقايةٌ دونَ دمائهِم وأموالِهِم فمَعْنَى قولِهِ تعالى فصدُّوا حينئذٍ فاستمرُّوا على ما كانُوا عليهِ من الصدِّ والإعراضِ عن سبـيلِهِ تعالَى: { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من النفاقِ والصدِّ وفي ساءَ مَعْنَى التعجبِ وتعظيمُ أمرِهِم عندَ السامعينَ { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما تقدمَ من القولِ النَّاعِي عليهِمْ إنَّهم أسوأُ الناسِ أعمالاً أو إلى ما وُصفَ من حالِهِم في النفاقِ والكذبِ والاستتارِ بالإيمانِ الصوريِّ، وما فيهِ من مَعْنَى البُعْدِ مع قُربِ العهدِ بالمشارِ إليهِ لما مَرَّ مراراً من الإشعارِ ببُعدِ منزلتِهِ في الشرِّ { بِأَنَّهُمْ } أي بسببِ أنَّهم { ءامَنُواْ } أي نطقُوا بكلمة الشهادةِ كسائرِ منْ يدخُل في الإسلامِ { ثُمَّ كَفَرُواْ } أي ظهرَ كفرُهُم بما شُوهدَ منهم من شَواهدِ الكُفْرِ ودلائِلِه أو نطقُوا بالإيمانِ عندَ المؤمنينَ ثم نطقُوا بالكفرِ عند شياطينهم { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } حتى تمرنُوا على الكفرِ واطمأنُّوا بهِ وقُرِىءَ على البناءِ للفاعلِ وقُرِىءَ فطبعَ الله. { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } حقيقةَ الإيمانِ ولا يعرفونَ حقيتَهُ أصلاً.