التفاسير

< >
عرض

فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٨
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٠
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
-التغابن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

الفاءُ في قولِه تعالَى: { فَـئَامِنُواْ } فصيحةٌ مفصحةٌ عن شرطٍ قد حُذفَ ثقةً بغايةِ ظهورِهِ أي إذا كانَ الأمرُ كذلكَ فآمنُوا { بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } محمدٍ صلى الله عليه وسلم { وَٱلنّورِ ٱلَّذِى أَنزَلْنَا } وهُو القرآنُ فإنَّه بإعجازِهِ بـيِّنٌ بنفسِهِ مبـيِّنٌ لغيرِهِ كما أنَّ النورَ كذلكَ. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإبرازِ كمالِ العنايةِ بأمرِ الإنزالِ { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الامتثالِ بالأمرِ وعدمِهِ { خَبِيرٌ } فمجازيكُم عليهِ. والجملةُ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقررٌ لما قبلَهُ من الأمرِ موجبٌ للامتثالِ به بالوعدِ والوعيدِ، والالتفاتُ إلى الإسمِ الجليلِ لتربـيةِ المهابةِ وتأكيدِ استقلالِ الجُملةِ { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } ظرفٌ لتنبؤنَّ وقيلَ لخبـير لما فيهِ من مَعْنَى الوعيدِ كأنَّه قيلَ والله مجازيكُم ومعاقبكُم يومَ يجمعُكُم أو مفعولٌ لأذكُرْ وقُرِىءَ نَجْمعكُم بنونِ العظمةِ { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } ليومٍ يُجمعُ فيهِ الأولونَ والآخرونَ أي لأجلِ ما فيهِ من الحسابِ والجزاءِ { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } أي يومُ غَبْنِ بعضِ الناسِ بعضاً بنزولِ السعداءِ منازلَ الأشقياءِ لو كانوا سعداءَ وبالعكسِ وفي الحديثِ: "ما منْ عبدٍ يدخلُ الجنةَ إلا أُري مقعدَهُ من النارِ لو أساء ليزداد شُكراً وما من عبدٍ يدخلُ النارَ إلا أري مقعدَهُ من الجنةِ لو أحسنَ ليزدادَ حسرةً" وتخصيصُ التغابنِ بذلكَ اليومِ للإيذانِ بأن التغابنَ في الحقيقةِ هو الذي يقعُ فيهِ لا ما يقعُ في أمورِ الدُّنيا.

{ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً } أي عملاً صالحاً { يَكْفُرْ } أي الله عَزَّ وجلَّ وقُرىءَ بنونِ العظمةِ { عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ } يومَ القيامةِ { وَيُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } وقُرِىءَ نُدخله بالنونِ { ذٰلِكَ } أي ما ذُكِرَ من تكفيرِ السيئاتِ وإدخالِ الجناتِ { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذي لا فوزَ وراءَهُ لانطوائِهِ على النجاةِ من أعظمِ الهلكاتِ والظفرِ بأجلِّ الطلباتِ { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي النارُ كأنَّ هاتينِ الآيتينِ الكريمتينِ بـيانٌ لكيفيةِ التغابنِ { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } من المصائبِ الدنيويةِ { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي بتقديرِهِ وإرادتِهِ كأنَّها بذاتِهَا متوجهةٌ إلى الإنسانِ متوقفةٌ على إذنِهِ تعالى: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } عند إصابتِهَا للثباتِ والاسترجاعِ وقيل يهدِ قلبَهُ حتَّى يعلمَ أنَّ ما أصابَهُ لم يكُنْ ليخطئَهُ وما أخطأهُ لم يكُن ليصيبَهُ وقيلَ يهدِ قلبَهُ أي يلطفُ بهِ ويشرحُهُ لازديادِ الطاعةِ والخيرِ. وقُرِىءَ يُهْدَ قلبُهُ على البناءِ للمفعولِ ورفعِ قلبَهُ، وقُرِىءَ بنصبِه على نهجِ سفِه نفسَهُ وقُرِىءَ بالهمزةِ أي يسكُن { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء } من الأشياء التي من جُملتِهَا القلوبُ وأحوالِهَا { عَلِيمٌ } فيعلمُ إيمانَ المؤمنِ ويهدي قلبَهُ إلى ما ذُكِرَ.