التفاسير

< >
عرض

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
-التغابن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } كررَ الأمرَ للتأكيدِ والإيذانِ بالفرقِ بـينَ الطاعتين في الكيفيةِ وتوضيحِ موردِ التولِّي في قولِهِ تعالَى: { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي عن إطاعةِ الرسولِ، وقولُهُ تعالَى: { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } تعليلٌ للجوابِ المحذوفِ أي فلا بأسَ عليهِ إذْ ما عليهِ إلا التبليغُ المبـينُ وقد فعلَ ذلكَ بما لا مزيدَ عليهِ، وإظهارُ الرسولِ مضافاً إلى نونِ العظمةِ في مقامِ إضمارِهِ لتشريفِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ والإشعارُ بمدارِ الحكمِ الذي هوَ كونُ وظيفتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ محضَ البلاغِ ولزيادةِ تشنيعِ التولِّي عنْهُ { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ أي هو المستحقُّ للمعبوديةِ لا غيرُهُ، وفي إضمارِ خبرِ لا مثل في الوجودِ أو يصح أن يوجدَ خلافٌ للنجاةِ معروفٌ { وَعَلَى ٱللَّهِ } أي عليهِ تعالى خاصَّة دونَ غيرِهِ لا استقلالاً ولا اشتراكاً { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وإظهارُ الجلالةِ في موقعِ الإضمارِ للإشعارِ بعلةِ التوكلِ والأمرِ بهِ فإن الألوهيةَ مقتضيةٌ للتبتلِ إليهِ تعالى بالكليةِ وقطعِ التعلقِ عما سواهُ بالمرةِ.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } يشغلونَكُم عن طاعةِ الله تعالَى أو يخاصمونَكُم في أمورِ الدينِ أو الدُّنيا { فَٱحْذَرُوهُمْ } الضميرُ للعدوِّ فإنَّه يطلقُ على الجمعِ نحو قولِهِ تعالَى: { { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى } [سورة الشعراء، الآية 77] أو للأزواجِ والأولادِ جميعاً فالمأمورُ بهِ على الأولِ الحذرُ عن الكلِّ وعلى الثاني إما الحذرُ عن البعضِ لأنَّ منهم من ليسَ بعدوَ وإما الحذرُ عن مجموعِ الفريقينِ لاشتمالِهِم على العدوِّ { وَأَن تَعْفُواْ } عن ذنوبِهِم القابلةِ للعفوِ بأن تكونَ متعلقةً بأمورِ الدُّنيا أو بأمورِ الدينِ لكن مقارنةٌ للتوبةِ { وَتَصْفَحُواْ } بتركِ التثريبِ والتعيـيرِ { وَتَغْفِرُواْ } بإخفائِهَا وتمهيدِ عُذرِهَا { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يعاملكُم بمثلِ ما عملتُم ويتفضلُ عليكُم. وقيلَ إنَّ ناساً من المؤمنينَ أرادُوا الهجرةَ عن مكَة فثبطهُم أزواجُهُم وأولادُهُم وقالوا تنطلقونَ وتضيعونَنَا فرقُّوا لهُم ووقفُوا فلما هاجَرُوا بعد ذلكَ ورأَوا المهاجرينَ الأولينَ قد فقهُوا في الدينِ أرادُوا أن يعاقبُوا أزواجَهُم وأولادَهُم فزُينَ لهم العفوُ، وقيلَ قالُوا لهُم أينَ تذهبونَ وتدعُونَ بلدكُم وعشيرتَكُم وأموالَكُم فغضبُوا عليهِم وقالُوا لئِن جمعنَا الله في دارِ الهجرةِ لم نُصِبكم بخيرٍ فلما هاجرُوا منعُوهُم الخبرَ فحَثُّوا على أنْ يعفُوا عنهُم ويردُّوا إليهِمْ البرَّ والصلةَ.