التفاسير

< >
عرض

أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً
١٠
رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً
١١
-الطلاق

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } تكريرٌ للوعيدِ وبـيانٌ لكونِه مترقباً كأنَّه قيلَ أعدَّ الله لهم هَذا العذابَ { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } ويجوزُ أن يرادَ بالحسابِ استقصاءُ ذنوبهِم وإثباتُها في صحائفِ الحفظةِ وبالعذابِ ما أصابَهُم عاجلاً، وقد جُوِّزَ أن يكونَ عتتْ وما عُطفَ عليهِ صفةً للقريةِ وأعدَّ لهم جواباً لقولِه تعالَى كأَيِّن { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } منصوبٌ بإضمارِ أعنِي بـياناً للمُنادَى أو عطفُ بـيانٍ لهُ أو نعتٌ، وفي إبدالهِ منهُ ضعفٌ لتعذرِ حلولِهِ محلَّه. { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } هو جبريلَ عليهِ السلامُ سمِّيَ بهِ لكثرةِ ذكرِهِ أو لنزولِه بالذِكر الذي هُو القرآنُ كما ينبىءُ عنْهُ إبدالُ قولِه تعالَى { رَسُولاً } منْهُ أو لأنَّه مذكورٌ في السمواتِ وفي الأممِ، أو أُريدَ بالذكرِ الشرفُ كما في قولِه تعالَى: { { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [سورة الزخرف، الآية 44] كأنَّه في نفسِه شرفٌ إما لأنه شرفٌ للمنزلِ عليهِ وإما لأنَّه هو مجدٌ وشرفٌ عند الله تعالَى كقولِه تعالَى: { { عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [سورة التكوير، الآية20] أو هُو النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وعليهِ الأكثرُ عبرَ عنهُ بالذكرِ لمواظبتِهِ على تلاوةِ القرآنِ أو تبليغِهِ والتذكيرِ بهِ وعبرَ عن إرسالِهِ بالإنزالِ بطريقِ الترشيحِ أو لأنه مسببٌ عن إنزالِ الوَحيِ إليهِ، وأُبدلَ منهُ رسولاً للبـيانِ أو هو القرآنُ ورسولاً منصوبٌ بمقدرٍ مثلُ أرسلَ أوْ بذكرَا على إعمالِ المصدرِ المنونِ أو بدلٌ منْهُ على أنَّه بمعنى الرسالةِ وقولُه تعالى: { يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ مُبَيّنَـٰتٍ } نعتٌ لرسولاً وآياتُ الله القرآنُ ومبـيناتٍ حالٌ منها أي حالَ كونِهَا مبـيناتٍ لكُم ما تحتاجونَ إليهِ من الأحكامِ وقُرِىءَ مبـيَّناتٍ أي بـينَها الله تعالَى لقولِه تعالَى: { { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ } [سورة الحديد، الآية 17] واللامُ في قولِه تعالَى: { لّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } متعلقةٌ بـيتلُو أو بأنزلَ وفاعلُ يخرجَ على الأولِ ضميرُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أو ضميرُ الجلالةِ، والموصولِ عبارةٌ عنِ المؤمنينَ بعد إنزالهِ أي ليحصلَ لهم الرسولُ أو الله عزَّ وعلاَ ما هُم عليهِ الآنَ من الإيمانِ والعملِ الصالحِ أو ليخرجَ من علِمَ أو قدَّرَ أنَّه سيؤمنُ { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } من الضلالةِ إلى الهُدَى { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً } حسبما بُـينَ في تضاعيفِ ما أُنزلَ من الآياتِ المبـيناتِ { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وقُرِىءَ نُدْخِلْهُ بالنون وقولُه تعالَى: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً }حالٌ من مفعولِ يُدخلْهُ والجمعُ باعتبارِ مَعْنَى مَنْ كما أنَّ الإفرادَ في الضمائرِ الثلاثةِ باعتبارِ لفظِها. وقولُه تعالَى: { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } حالٌ أُخرى منْهُ أو من الضميرِ في خالدينَ بطريقِ التداخلِ وإفرادُ ضميرِ لهُ قد مرَّ وجهُه وفيهِ مَعْنَى التعجبِ والتعظيمِ لما رزقَهُ الله المؤمنينَ من الثوابِ.