التفاسير

< >
عرض

أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ
٦
لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
٧
وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً
٨
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً
٩
-الطلاق

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى:

{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } استئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ نشأَ مما قبلَهُ من الحثِّ عَلى التَّقوى كأنَّه قيلَ كيفَ نعملُ بالتَّقوى في شأنِ المعتداتِ فقيلَ أسكنوهنَّ مسكناً من حيثُ سكنتُم أي بعضَ مكانٍ سكناكم. وقولُه تعالَى: { مّن وُجْدِكُمْ } أي من وُسعِكم أي مما تطيقونَهُ عطفُ بـيانٍ لقولِهِ من حيثُ سكنتُم وتفسيرٌ لهُ.

{ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ } أيْ في السُّكنى { لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ } وتُلْجئوهنَّ إلى الخروجِ { وَإِن كُنَّ } أي المطلقاتُ { أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فيخرُجنَ من العدةِ، أما المُتوفَّى عنهنَّ أزواجُهنَّ فلا نفقةَ لهُنَّ { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } بعدَ ذلكَ { فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } على الإرضاعِ { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } أي تشاورُوا، وحقيقتُه ليأمرْ بعضُكم بعضاً بجميلٍ في الإرضاعِ والأجرِ ولاَ يكُن من الأبِ مماكسة ولا من الأمِّ مُعاسرةٌ { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ } أي تضايقتُم { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } أي فستوجَدُ ولا تُعوزُ مرضعةٌ أُخرى، وفيه معاتبةٌ للأمِّ على المعاسرةِ { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ } وإنْ قلَّ أي لينفقْ كُلُّ واحدٍ من الموسرِ والمعسرِ ما يبلغُه وسعُه { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا } جَلَّ أو قَلَّ فإنَّه تعالَى لا يكلفُ نفساً إلا وُسعَها وفيهِ تطيـيبٌ لقلبِ المُعسرِ وترغيبٌ لهُ في بذلِ مجهودِهِ وقد أُكِّدَ ذلكَ بالوعدِ حيثُ قيلَ { سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } أي عاجلاً أو آجلاً. { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } أي كثيرٌ من أهلِ قريةٍ { عَتَتْ } أي أعرضتْ { عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ } بالعُتوِّ والتمردِ والعنادِ { فَحَاسَبْنَـٰهَا حِسَاباً شَدِيداً } بالاستقصاءِ والتنفيرِ والمناقشةِ في كلِّ نقيرٍ وقِطْميرٍ { وَعَذَّبْنَـٰهَا عَذَاباً نُّكْراً } أي مُنكراً عظيماً. وقُرِىءَ نكراً، والمرادُ حسابُ الآخرةِ وعذابُها، والتعبـيرُ عنهما بلفظِ الماضِي للدلالةِ على تحققِهِما كما في قولِه تعالَى: { { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [سورة الأعراف، الآية 44] { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } هائلاً لا خُسَر وراءَهُ.