التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٢
قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٢٣
قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٥
-الملك

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالَى: { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ } الخ مثلٌ ضُرِبَ للمشركِ والموحدِ توضيحاً لحالهِما وتحقيقاً لشأنِ مذهبـيهما، والفاءُ لترتيبِ ذلكَ على ما ظهرَ من سوءِ حالِهِم وخرورِهِم في مهاوِي الغرورِ وركوبِهِم متنَ عشواءِ العتوِّ والنفورِ، وعدمِ اهتدائِهِم في مسلكِ المُحاجَّةِ إلى جهةٍ يتوهمُ فيها رشدٌ في الجملةِ فإنَّ تقدمَ الهمزةِ عليها صورةً إنَّما هُو لاقتضائِهَا الصدارةَ وأما بحسبِ المعنى فالأمرُ بالعكسِ كَمَا هو المشهورُ حتَّى لو كانَ مكانُ الهمزةِ هلْ لقيلَ فهَلْ مَنْ يمشِي مُكباً الخ. والمُكِبُّ الساقطُ على وجهِهِ يقالُ أكبَّ خرَّ على وجهِهِ وحقيقتُهُ صارَ ذا كبَ ودخلَ في الكبِّ كأقشعَ الغمامُ أي صارَ ذا قشعٍ والمَعْنَى أفمنْ يمشِي وهو يعثرُ في كلِّ ساعةٍ ويخرُّ على وجهِهِ في كلِّ خُطوةٍ لتوعرِ طريقِه واختلالِ قُواه أهدَى إلى المقصدِ الذي يؤمُّه.

{ أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيّاً } أي قائماً سالماً من الخبطِ والعثارِ { عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } مستوِي الأجزاءِ لا عوجَ فيهِ ولا انحرافَ قيلَ خبرٌ من الثانيةِ محذوفٌ لدلالةِ خبرِ الأُولَى عليهِ ولا حاجةَ إلى ذلكَ فإنَّ الثانيةَ معطوفةٌ على الأُولى عطفَ المفردِ كقولِكَ أزيدٌ أفضلُ أم عمروٌ وقيل أُريدَ بالمكبِّ الأَعْمَى وبالسويِّ البصيرُ وقيلَ من يمشِي مُكباً هو الذي يُحشرُ على وجهِهِ إلى النَّارِ ومَنْ يمشِي سوياً الذي يُحشرُ على قدميهِ إلى الجنَّةِ { قُلْ هُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُمْ } إنشاءً بديعاً { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ } لتسمعُوا آياتِ الله وتمتثلُوا بما فيهَا من الأوامرِ والنواهِي وتتعظُوا بمواعظِهَا { وَٱلأَبْصَـٰرُ } لتنظرُوا بها إلى الآياتِ التكوينيةِ الشاهدةِ بشؤون الله عزَّ وجلَ { وَٱلأَفْئِدَةَ } لتتفكرُوا بهَا فيمَا تسمعونَهُ وتشاهدونَهُ من الآياتِ التنزيليةِ والتكوينيةِ وترتقُوا في معارجِ الإيمانِ والطاعةِ { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أي باستعمالِهَا فيما خُلقتْ لأجله من الأمورِ المذكورةِ. وقليلاً نعتٌ لمحذوفٍ وما مزيدةٌ لتأكيدِ القلةِ أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تشكرونَ، وقيلَ القلةُ عبارةٌ عن العدمِ { قُلْ هُوَ ٱلَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي خلقكُم وكثركُم فيهَا لا غيرُهُ { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } للجزءِ لا إلى غيرِهِ اشتراكاً أو استقلالاً فابنُوا أمورَكُم على ذلكَ { وَيَقُولُونَ } من فرطِ عُتوِّهم وعنادِهِم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } أيِ الحشرُ الموعودُ كما ينبىءُ عنهُ قولُه تعالَى: { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يخاطبونَ بهِ النبـيَّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنينَ حيثُ كانُوا مشاركينَ لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الوعدِ وتلاوةِ الآياتِ المتضمنةِ له وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أي إنْ كنتُم صادقينَ فيما تخبرونَهُ من مجىءِ الساعةِ والحشرِ فبـيِّنُوا وقتَهُ.