التفاسير

< >
عرض

إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ
١٦
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
-القلم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالَى: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءايَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } استئنافٌ جارٍ مَجْرَى التعليلِ للنَّهي، وقيلَ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ الجملةُ الشرطيةُ من مَعْنَى الجحودِ والتكذيبِ لا بجوابِ الشرطِ لأنَّ ما بعدَ الشرطِ لا يعملُ فيما قبلَهُ كأنْ قيلَ لكونِه مُستظهراً بالمالِ والبنينَ كذَّبَ بآياتِنَا، وفيهِ أنَّه يدلُّ على مَعْنَى أنَّ مدارَ تكذيبِهِ كونُه ذا مالٍ وبنينَ من غيرِ أنْ يكونَ لسائرِ قبائِحِه دخلٌ في ذلكَ. وقُرِىءَ أَأَنْ كانَ على مَعْنَى ألأنْ كانَ ذَا مالٍ كذَّبَ بهَا أو أتطيعُه لأن كانَ ذا مالٍ. وقُرِىءَ إِنْ كانَ بالكسرِ والشرطُ للمخاطبِ أي لا تُطعْ كلَّ حلاَّفٍ شارطاً يسارَهُ لأنَّ إطاعةَ الكافرِ لغناهُ بمنزلةِ اشتراطِ غناهُ في الطاعةِ. { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } بالكَيِّ على أكرمِ مواضعِه لغايةِ إهانتِه وإذلالِه، قيلَ أصابَ أنفَ الوليدِ جراحةٌ يومَ بدرٍ فبقيتْ علامتُهَا، وقيلَ معناهُ سنعلِّمُه يومَ القيامةِ بعلامةٍ مشوِّهةٍ يُعلم بها عن سائرِ الكفرةِ.

{ إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ } أي أهلَ مكةَ بالقحطِ بدعوةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم { كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } وهم قومٌ من أهلِ الصلاةِ كانتْ لأبـيهِم هذِه الجنَّةُ دونَ صنعاءَ بفرسخينِ فكانَ يأخذُ منها قوتَ سنةٍ ويتصدقُ بالباقي وكانَ يُنادِي الفقراءَ وقتَ الصِّرامِ، ويتركُ لهم ما أخطأهُ المنجلُ، وما في أسفلِ الأكداسِ، وما أخطأهُ القطافُ من العنبِ، وما بقيَ على البساطِ الذي يُبسطُ تحتَ النخلةِ إذَا صُرمتْ، فكانَ يجتمعُ لهم شيءٌ كثيرٌ فلمَّا ماتَ أبُوهُم قال بنُوه إنْ فعلنَا ما كانَ يفعلُ أبُونا ضاقَ علينا الأمرُ فحلفُوا فيمَا بـينهُم. وذلكَ قولُه تعالى:

{ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } ليقطَعُنَّها داخلينَ في الصباحِ { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أي لا يقولونَ إنْ شاءَ الله وتسميتُه استثناءٌ مع أنَّه شرطٌ من حيثُ أنَّ مؤدَّاهُ مُؤدَّى الاستثناءِ فإن قولَكَ لأخرُجنَّ إنْ شاءَ الله ولا أخرجُ إلا أنْ يشاءُ الله بمَعْنَى واحدٍ، أو لا يستثنُونَ حِصَّةَ المساكينِ كما كانَ يفعلُهُ أبُوهُم، والجملةُ مستأنفةٌ. { فَطَافَ عَلَيْهَا } أي على الجنَّةِ { طَـآئِفٌ } بلاءٌ طائفٌ، وقُرِىءَ طيفٌ { مِن رَبّكَ } مبتدأٌ من جهتِه تعالَى: { وَهُمْ نَآئِمُونَ } غافلونَ عمَّا جرتْ بهِ المقاديرُ.