التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٣٤
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ
٣٥
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٦
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
٣٧
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ
٣٨
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ
٣٩
-القلم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } جملةٌ منْ مبتدأٍ وخبرٍ مُقدمٍ لإفادةِ القصرِ، والألفُ واللامُ للعهدِ أي مثلُ الذي بلونَا بهِ أهلَ مكةَ وأصحابَ الجنةِ عذابُ الدنيَا. { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } أعظمُ وأشدُّ { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أنَّه أكبرُ لاحترَزُوا عمَّا يؤدِّيهِم إليهِ { إِنَّ لّلْمُتَّقِينَ } أي منَ الكفرِ والمَعَاصِي { عِندَ رَبّهِمْ } أي في الآخرةِ أو في جوارِ القُدسِ { جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } جناتٍ ليسَ فيها إلا التنعمُ الخالصُ عن شائبةِ ما يُنغّصهُ من الكدوراتِ وخوفِ الزوالِ كما عليهِ نعيمُ الدُّنيا. وقولُه تعالَى:

{ أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } تقريرٌ لما قبلَهُ من فوزِ المُتقينَ بجنَّاتٍ النعيمِ، وردٌّ لما يقولَهُ الكفرةُ عند سماعِهِم بحديثِ الآخرةِ وما وعدَ الله المسلمينَ فيهَا فإنهم كانُوا يقولونَ إنْ صحَّ أنا نُبعثُ كما يزعمُ محمدٌ ومَنْ معَهُ لم يكُنْ حالُنَا وحالُهُم إلا مثلَ ما هيَ في الدّنيا وإلا لم يزيدُوا علينَا ولم يفضلونَا وأقصى أمرِهِم أنْ يساوونَا. والهمزَةُ للإنكارِ والفاءُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أنحيفُ في الحكمِ فنجعلَ المسلمينَ كالكافرينَ ثم قيلَ لهُم بطريقِ الالتفاتِ لتأكيدِ الردِّ وتشديدِه { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } تعجيباً من حُكمِهِم واستبعاداً له وإيذاناً بأنَّه لا يصدرُ عن عاقلٍ { أَمْ لَكُمْ كِتَـٰبٌ } نازلٌ من السماءِ { فِيهِ تَدْرُسُونَ } أي تقرأونَ { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أي ما تتخيرونَهُ وتشتهونَهُ، وأصلُهُ أنَّ لكُم بالفتحِ لأنَّهُ مدروسٌ فلمَّا جِيءَ باللامِ كُسرتْ ويجوزُ أنْ يكونَ حكايةً للمدروسِ كما هُو كقولِهِ تعالَى: { { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَـٰلَمِينَ } [سورة الصافات، الآية 78] وتخيرُ الشيءِ واختيارُهُ أخذُ خيرِهِ { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا } أي عهودٌ مؤكدةٌ بالأيمانِ { بَـٰلِغَةٌ } متناهيةٌ في التوكيدِ. وقُرِئتْ بالنصبِ على الحالِ والعاملُ فيها أحدُ الظرفينِ { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } متعلقٌ بالمقدرِ في لكم أي ثابتةٌ لكُم إلى يومِ القيامةِ لا نخرجُ عن عُهدتِهَا حتى نحكمكم يومئذٍ ونعطيكُم ما تحكمونَ أو ببالغةٍ أي أيمانٌ تبلغُ ذلكَ اليومَ وتنتهِي إليهِ وافرةً لم تبطُلْ منها يمينٌ. { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } جوابُ القسمِ، لأنَّ معنَى أمْ لكُم علينَا أيمانٌ أمْ أقسمنَا لكُم.