التفاسير

< >
عرض

سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ
٤٠
أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٤١
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٤٢
خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ
٤٣
فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٤
-القلم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ سَلْهُمْ } تلوينٌ للخطابِ وتوجيهٌ لهُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بإسقاطِهِم عن رُتبةِ الخطابِ أي سلهُم مُبكتاً لهُمْ. { أَيُّهُم بِذٰلِكَ } الحكمِ الخارجِ عن العقولِ { زَعِيمٌ } أي قائمٌ يتصدَّى لتصحيحِه { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء } يشاركونهم في هَذا القولِ ويذهبونَ مذهبَهُم. { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ } في دعواهُم إذْ لا أقلَّ من التقليدِ، وقد نبَّه في هذِه الآياتِ الكريمةِ على أنْ ليسَ لهُم شيءٌ يُتوهمُ أنْ يتشبثُوا بهِ حتَّى التقليدُ الذي لا يُفلِحُ من تشبثَ بذيلِه، وقيلَ المَعْنَى أمْ لهُم شركاءُ يجعلونَهُم مثلَ المسلمينَ في الآخرةِ. { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } أي يومَ يشتدُّ الأمرُ ويصعبُ الخطبُ، وكشفُ الساقِ مَثَلٌ في ذلكَ وأصلُهُ تشميرُ المُخدَّراتِ عن سُوقهِنَّ في الهربِ، قالَ حاتمٌ:

أخُو الحربِ إنْ عضَّتْ بهِ الحربُ عَضَّهاوإنْ شمَّرتْ عنْ ساقِهَا الحربُ شَمَّرا

وقيلَ ساقُ الشيءِ أصلُهُ الذي بهِ قوامُه كساقِ الشجرِ وساقِ الإنسانِ، أيْ يومَ يُكشفُ عن أصلِ الأمرِ فتظهرُ حقائقُ الأمورِ وأصولُهَا بحيثُ تصيرُ عياناً، وتنكيرُهُ للتهويلِ أو التعظيمِ. وقُرِىءَ تَكْشِفُ بالتاءِ على البناءِ للفاعلِ والمفعولِ، والفعلُ للساعةِ أو الحالِ، وقُرِىءَ نَكْشِفُ بالنونِ وتُكْشِفُ بالتاءِ المضمومةِ وكسرِ الشِّينِ من أكشفَ الأمرُ أي دخلَ في الكشفِ. وناصبُ الظرفِ فليأتُوا، أو مضمرٍ مقدمٍ أي اذْكُر يومَ الخ. أو مؤخرٍ أي يومَ يكشفُ عن ساقٍ الخ. يكونُ من الأهوالِ وعظائمِ الأحوالِ ما لا يبلغُه الوصفُ { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } توبـيخاً وتعنيفاً على تركهِم إيَّاهُ في الدُّنيا وتحسيراً لهُم على تفريطِهِم في ذلكَ { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } لزوالِ القدرةِ عليهِ، وفيهِ دلالةٌ على أنَّهُم يقصدونَ السجودَ فلا يتأتَّى منهُم ذلكَ. عنِ ابنِ مسعُودٍ رضيَ الله عنْهُ تعقمُ أصلابُهُم أي تُردُّ عظاماً بلا مفاصلٍ لا تنثني عندَ الرَّفعِ والخفضِ. وفي الحديثِ وتبقَى أصلابُهُم طَبقاً واحِداً أي فَقارةٌ واحدةٌ { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } حالٌ من مرفوعِ يُدعونَ، على أنَّ أبصارَهُم مرتفعٌ بهِ على الفاعليةِ، ونسبةُ الخشوعِ إلى الأبصارِ لظهورِ أثرِهِ فيهَا { تَرْهَقُهُمْ } تلحقُهُم وتغشاهُم { ذِلَّةٌ } شديدةٌ { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } في الدُّنيا. والإظهارُ في موضعِ الإضمارِ لزيادةِ التقريرِ، أو لأنَّ المرادَ بهِ الصلاةُ أو ما فيها من السجودِ والدعوةُ دعوةُ التكليفِ. { وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } متمكنُونَ منْهُ أقوَى تمكنٍ، أي فلا يُجيبونَ إليهِ ويأبَونَهُ وإنَّما تُركَ ذكرُه ثقةً بظهورِهِ.

{ فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } أي كِلْهُ إليَّ فإِنِّي أكفيكَ أمرَهُ، أيْ حسبُكَ في الإيقاعِ بهِ والانتقام منهُ أنْ تَكِلَ امرَهُ إليَّ وتُخلِّي بـينِي وبـينَهُ، فإنِّي عالمٌ بمَا يستحقُّه من العذابِ، ومطيقٌ لهُ. والفاءُ لترتيبِ الأمرِ على ما قبلَهَا من أحوالِهِم المحكيةِ أيْ وإذَا كانِ حالُهُم في الآخرةِ كذلكَ فذرنِي ومن يكذِّبُ بهذا القرآنِ، وتوكلْ عليَّ في الانتقامِ منْهُ. وقولُه تعالَى: { سَنَسْتَدْرِجُهُم } استئنافٌ مسوقٌ لبـيانِ كيفيةِ التعذيبِ المُستفادِ من الأمرِ السابقِ إجمالاً، والضميرُ لمَنْ والجمعُ باعتبارِ معناهَا كما أنَّ الإفرادَ في يكذِّبُ باعتبارِ لفظِهَا أي سنستنزِلُهُم إلى العذابِ درجةً فدرجةً بالإحسانِ وإدامةِ الصحةِ وازديادِ النعمةِ. { مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه استدراجٌ وهو الإنعامُ عليهِم بلْ يزعمونَ أنه إيثارٌ لهُم وتفضيلٌ على المؤمنينَ مع أنَّهُ سببٌ لهلاكِهِم.