التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَاقَّةُ
١
مَا ٱلْحَآقَّةُ
٢
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ
٣
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ
٤
-الحاقة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية، وآيُها اثنتان وخمسون

{ ٱلْحَاقَّةُ } أي السَّاعةُ، أو الحالةُ الثابتةُ الوقوعِ الواجبةُ المجىءِ لا محالةَ، أو التي يحقُّ فيها الأمورُ الحقةُ من الحسابِ والثوابِ والعقابِ، أو التي تُحقُّ فيها الأمورُ أي تُعرفُ على الحقيقةِ من حقَّهُ يحِقُّه إذا عرفَ حقيقتَهُ، جُعلَ الفعلُ لها مجازاً وهو لِما فيها منَ الأمورِ أو لمَنْ فيها من أُولِي العلمِ وأيَّا ما كانَ فحذفُ الموصوفِ للإيذانَ بكمالِ ظهورِ اتصافهِ بهذِهِ الصفةِ وجريانِهَا مجرى الإسمِ، وارتفاعُها على الابتداءِ، خبرُهَا { مَا ٱلْحَاقَّةُ } على أنَّ مَا مبتدأٌ ثانٍ، والحاقَّةُ خبرُهُ، والجملةُ خبرٌ للمبتدأ الأولِ. والأصلُ ما هيَ أيْ أيُّ شيءٍ هي في حالِهَا وصفَتِهَا فإنَّ مَا قدْ يُطلبُ بها الصفةُ والحالُ، فوضعُ الظاهرِ موضعَ المضمرِ تأكيداً لهولها. هذا ما ذكرُوهُ في إعرابِ هذه الجملةِ ونظائرِهَا، وقد سبقَ في سورةِ الواقعةِ أنَّ مُقتضَى التحقيقِ أنْ تكونَ ما الاستفهاميةُ خبراً لما بعدَهَا فإنَّ مناطَ الإفادةِ بـيانُ أنَّ الحاقةَ أمرٌ بديعٌ وخَطْبٌ فظيعٌ كما يفيدُهُ كونُ مَا خبراً لا بـيانُ أنَّ أمراً بديعاً الحاقةُ كما يفيدُهُ كونُها مبتدأً وكونُ الحاقَّةِ خبراً. وقولُه تعالَى: { وَمَا أَدْرَاكَ } أي وأيُّ شيءٍ أعلمكَ { مَا ٱلْحَاقَّةُ } تأكيدٌ لهولِهَا وفظاعتِهَا ببـيانِ خروجِهَا عن دائرةِ علومِ المخلوقاتِ على مَعْنَى أنَّ عظمَ شأنِهَا ومَدَى هولِهَا وشدَّتِهَا بحيثُ لا تكادُ تبلغُهُ درايةُ أحدٍ ولا وهمُهُ وكيفَما قدرتَ حالَهَا فهيَ أعظمُ من ذلكَ وأعظمُ فلا يتسنَّى الإعلامُ. ومَا في حيزِ الرفعِ على الابتداءِ، وأدراكَ خبرُهُ. ولا مساغَ هَهُنَا للعكسِ. ومَا الحاقَّةُ جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ على الوجهِ الذي عرفَتَهُ، محلُّها النصبُ على إسقاطِ الخافضِ لأنَّ أَدْرَى يتعدَّى إلى المفعولِ الثَّانِي بالباءِ كَما في قولِهِ تعالَى: { { وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ } [سورة يونس، الآية 16] فلمَّا وقعتْ جملةُ الاستفهامِ معلّقةً لهُ كانَتْ في موضعِ المفعولِ الثانِي والجملةُ الكبـيرةُ معطوفةٌ على ما قبلَهَا من الجملةِ الواقعةِ خبراً لقولِهِ تعالَى:{ ٱلْحَاقَّةُ } مؤكدةٌ لهولِها كما مرَّ { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } أيْ بالحالةِ التي تقرعُ النَّاسَ بفنونِ الأفزاعِ والأهوالِ والسماءَ بالانشقاقِ والانفطارِ، والأرضَ والجبالَ بالدكِّ والنسفِ، والنجومَ بالطمسِ والانكدارِ. ووضعُهَا موضعَ ضميرِ الحَاقَّةِ للدلالةِ على مَعْنَى القرعِ فيها تشديداً لهولِهَا، والجملةُ استئنافٌ مسوقٌ لإعلامِ بعضِ أحوالِ الحَاقَّةِ لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إثرَ تقريرِ أنَّه ما أدراهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بها أحدٌ، كما في قولِهِ تعالَى: { { وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } [سورة القارعة، الآية 10، 11] ونظائرُهُ خَلا أنَّ المبـيِّنَ هناكَ نفسُ المسؤولِ عنْهَا وهَهُنَا حالٌ منْ أحوالِهَا، كَما في قولِهِ تعالَى: { { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [سورة القدر، الآية 2، 3] فكمَا أنَّ المبـيَّنَ هناكَ ليسَ نفسَ ليلةِ القدرِ بل فضلَها وشرفَها، كذلكَ المبـيَّنُ ههنا هولُ الحاقةِ وعظمُ شأنِهَا وكونُها بحيثُ يحقُّ إهلاكُ منْ يكذبُ بها كأنَّه قيلَ وما أدراكَ ما الحاقةُ كذبتْ بها ثمودُ وعادٌ فأُهلِكُوا.