التفاسير

< >
عرض

أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ
٩٨
أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٩٩
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
١٠٠
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } إنكارٌ بعد إنكارٍ للمبالغة في التوبـيخ والتشديدِ ولذلك لم يقل: أفأمن أهلُ القرى أي يأتيهم بأسنا بـياتاً وهم نائمون أو ضحىً وهم يلعبون، وقرىء أوْ بسكون الواوِ على الترديد { أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } أي ضحوةَ النهارِ وهو في الأصل ضوءُ الشمسِ إذا ارتفعت { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } أي يلهُون من فرط الغفلةِ أو يشتغلون بما لا ينفعهم كأنهم يلعبون { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } تكريرٌ للنكير لزيادة التقريرِ، ومكرُ الله تعالى استعارةٌ لاستدراجه العبدَ وأخذِه من حيث لا يحتسب، والمرادُ به إتيانُ بأسِه تعالى في الوقتين المذكورين ولذلك عُطف الأولُ والثالثُ بالفاء فالإنكارُ فيهما متوجهٌ إلى ترتب الأمنِ على الأخذ المذكور، وأما الثاني فمن تتمة الأولِ { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي الذين خسِروا أنفسَهم وأضاعوا فطرةَ الله التي فطرَ الناسَ عليها والاستعدادَ القريبَ المستفادَ من النظر في الآيات { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلارْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا } أي يخلُفون مَنْ خلا قبلهم من الأمم المُهلَكة ويرثون ديارَهم والمرادُ بهم أهلُ مكةَ ومَنْ حولها، وتعديةُ فعل الهداية باللام إما لتنزيلها منزلةَ اللازم كأنه قيل: أغفلَوا ولم يُغفل الهداية لهم؟ الخ، وإما لأنها بمعنى التبـيـينِ والمفعولُ محذوفٌ والفاعلُ على التقديرين هو الجملةُ الشرطية أي أوَ لمْ يبـيَّن لهم مآلُ أمرِهم { أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } أي أن الشأنَ لو نشاء أصبْناهم بجزاء ذنوبِهم أو بسبب ذنوبِهم كما أصبنا مَنْ قبلهم وقرىء نَهدِ بنون العظمة فالجملة مفعولُه { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } عطفٌ على ما يُفهم من قوله تعالى: { أَوَ لَمْ يَهْدِ } كأنه قيل: لا يهتدون أو يغفُلون عن الهداية أو عن التفكر والتأمل، أو منقطعٌ عنه بمعنى ونحن نطبع ولا يجوز عطفُه على أصبناهم على أنه بمعنى طبعنا لإفضائه إلى نفي الطبْعِ عنهم لأنه في سياق جوابِ لو { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي أخبارَ الأممِ المهلَكة فضلاً عن التدبر والنظرِ فيها والاغتنامِ بما في تضاعيفها من الهداية.