التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
١٢٦
وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ
١٢٧
قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
١٢٨
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا } أي وما تُنكر وتَعيب منا { إِلا أَنْ ءامَنَّا بِـئَايَـٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا } وهو خيرُ الأعمال وأصلُ المفاخر ليس مما يتأتى لنا العدولُ عنه طلباً لمرضاتك ثم أعرضوا عن مخاطبته إظهاراً لما في قلوبهم من العزيمة على ما قالوا وتقريراً له ففزِعوا إلى الله عز وجل وقالوا: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي أفِضْ علينا من الصبر ما يغمُرنا كما يغمرُ الماءُ أو صُبّ علينا ما يُطَهّرنا من أوضار الأوزار وأدناسِ الآثام وهو الصبرُ على وعيد فرعون { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } ثابتين على ما رزقنا من الإسلام غيرَ مفتونين من الوعيد. قيل: فَعل بهم ما أوعدهم به وقيل: لم يقدر عليه لقوله تعالى: { { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } .

[القصص: 35] { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ } مخاطِبـين له بعد ما شاهدوا من أمر موسى عليه السلام { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } أي في أرض مصرَ بتغيـير الناسِ عليك وصرفِهم عن متابعتك { وَيَذَرَكَ } عطفٌ على يُفسدوا، أو جوابُ الاستفهام بالواو كما في قول الحطيئة:

ألم أكُ جارَكم ويكونَ بـينيوبـينكم المودةُ والإخاءُ

أي أيكونُ منك تركُ موسى ويكونَ تركُه إياك؟ وقرىء بالرفع عطفاً على أنذرُ أو استئنافاً أو حالاً، وقرىء بالسكون كأنه قيل: يفسدوا ويذرْك كقوله تعالى: { { فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن } { وَءالِهَتَكَ } ومعبوداتِك، قيل: إنه كان يعبد الكواكبَ وقيل: صنع لقومه أصناماً وأمرهم بأن يعبُدوها تقرباً إليه ولذلك قال: أنا ربكم الأعلى، وقرىء وإِلٰهَتَك أي عبادتَك { قَالَ } مجيباً لهم { سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـى نِسَاءهُمْ } كما كنا نفعل بهم ذلك من قبلُ ليُعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبةِ ولا يُتَوَهّم أنه المولودُ الذي حكم المنجمون والكهنةُ بذهاب مُلكِنا على يديه وقرىء سنقتل بالتخفيف { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ } كما كنا لم يتغير حالُنا أصلاً وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } تسليةً لهم وعِدةً بحسن العاقبة حين سمعوا قولَ فرعون وتضجّروا منه { ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ } على ما سمعتم من أقاويله الباطلة { إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ } أي أرضَ مصرَ أو جنسَ الأرض وهي داخلةٌ فيها دخولاً أولياً { يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الذين أنتم منهم وفيه إيذانٌ بأن الاستعانةَ بالله تعالى والصبرَ من باب التقوى وقرىء والعاقبةَ بالنصب عطفاً على اسم إن.