التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
١٧
قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ
١٨
ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ } أي من الجهات الأربعِ التي يُعتاد هجومُ العدوِّ منها مثلُ قصدِه إياهم للتسويل والإضلال من أي وجهٍ يتيسر بإتيان العدوِّ من الجهات الأربعِ ولذلك لم يُذكر الفوقُ والتحتُ. وعن ابن عباس رضي الله عنهما (مِنْ بَـيْنِ أيدِيهِمْ) من قِبَل الآخرةِ. و(من خلفهم) من جهة الدنيا، و(عن أيمانِهِم وعن شمائلهم) من جهة حسناتِهم وسيئاتِهم. وقيل: من بـين أيديهم من حيث يعلمون ويقدِرون على التحرز منه، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيّقظهم واحتياطِهم ومن حيث لا يتيسر لهم ذلك، وإنما عُدِّي الفعلُ إلى الأوَّلَيْن بحرف الابتداء لأنه منهما متوجهٌ إليهم وإلى الآخَرَين بحرف المجاوزة فإن الآتيَ منهما كالمنحرف المتجافي عنهم المارِّ على عَرضهم، ونظيرُه جلست عن يمينه { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } أي مطيعين وإنما قاله ظناً لقوله تعالى: { { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [سبأ، الآية 20] لما رأى منهم مبدأ الشرِّ متعدداً ومبدأَ الخيرِ واحداً، وقيل: سمعه من الملائكة عليهم السلام.

{ قَالَ } استئناف كما سلف مراراً { اخْرَجَ مِنْهَا } أي من الجنة أو من السماء أو من بـينِ الملائكة { مَذْءومًا } أي مذموماً من ذَأَمه إذا ذمّه، وقرىء مَذوماً كَمَسول في مسؤول، أو كَمَكول في مكيل، من ذامه يذيمه ذيماً { مَّدْحُورًا } مطروداً { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } اللامُ موطئةٌ للقسم وجوابه { لأمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } وهو سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط، وقرىء لِمَنْ تبعك بكسر اللام على أنه خبرُ (لأملأن) على معنى لِمَنْ تبعك هذا الوعيدُ، أو علةٌ لاخرُجْ و(لأملأن) جوابٌ محذوفٌ ومعنى (منكم) منك ومنهم على تغليب المخاطب { وَ يَا ءادَمَ } أي وقلنا كما وقع في سورة البقرة، وتصديرُ الكلامِ بالنداء للتنبـيه على الاهتمام بتلقّي المأمورِ به، وتخصيصُ الخطابِ به عليه السلام للإيذان بأصالته في تلقي الوحي وتعاطي المأمور به { ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } هو من السكَن الذي هو عبارةٌ عن اللَّبْثِ والاستقرارِ والإقامةِ لا من السكون الذي هو ضدُّ الحركة، وأنت ضميرٌ أُكّد به المستكنُّ ليصحَّ العطفُ عليه، والفاءُ في قوله تعالى: { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } لبـيان المرادِ مما في سورة البقرة من قوله تعالى: { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } [البقرة: 35] من أن ذلك كان جمعاً مع الترتيب، وقوله تعالى: { مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } في معنى منها حيث شئتما، ولم يُذكر هٰهنا (رَغَداً) ثقةً بما ذكر هناك، وتوجيهُ الخطابِ إليهما لتعميم التشريفِ والإيذانِ بتساويهما في مباشرة المأمورِ به فإن حوّاءَ أُسوةٌ له عليه السلام في حق الأكلِ بخلاف السكنِ فإنها تابعةٌ له فيه ولتعليق النهي بها صريحاً في قوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } وقرىء هذي وهو الأصلُ لتصغيره على ذَيّا والهاءُ بدلٌ من الياء { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } إما جزمٌ على العطف أو نصبٌ على الجواب.