التفاسير

< >
عرض

وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ
٤٤
ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ
٤٥
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ
٤٦
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } تبجحاً بحالهم وشماتةً بأصحاب النار وتحسيراً لهم لا لمجرد الإخبارِ بحالهم والاستخبارِ عن حال مخاطَبـيهم { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا } حيث نلنا هذا المنالَ الجليلَ { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا } حُذف المفعولُ من الفعل الثاني إسقاطاً لهم عن رتبة التشريفِ بالخطاب عند الوعدِ، وقيل: لأن ما ساءهم من الموعود لم يكن بأسره مخصوصاً بهم وعداً كالبعث والحسابِ ونعيمِ الجنة، فإنهم قد وجدوا جميعَ ذلك حقاً وإن لم يكن وعدُه مخصوصاً بهم { قَالُواْ نَعَمْ } أي وجدناه حقاً، وقرىء بكسر العين وهي لغةٌ فيه { فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ } قيل: هو صاحبُ الصُّور { بَيْنَهُمْ } أي بـين الفريقين { أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } بأنْ المخفَّفةِ أو المفسِّرةِ، وقرىء بأنّ المشددةِ ونصْبِ (لعنةُ) وقرى إنّ بكسر الهمزة على إرادة القولِ أو إجراء أذّن مُجرى قال { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } صفةٌ مقرِّرةٌ للظالمين، أو رفعٌ على الذم أو نصْبٌ عليه { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي يبغون لها عِوَجاً بأن يصفوها بالزيغ والميلِ عن الحق وهو أبعدُ شيء منهما والعِوَجُ بالكسر في المعاني والأعيان ما لم يكن منتصباً وبالفتح ما كان في المنتصِب كالرُّمحِ والحائط { وَهُم بِٱلآخِرَةِ كَـٰفِرُونَ } غيرُ معترفين.

{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين الفريقين كقوله تعالى:

{ { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [الحديد، الآية 13] أو بـين الجنة والنار ليمنعَ وصولُ أثرِ إحداهما إلى الأخرى { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ } أي على أعراف الحجابِ وأعاليه وهو السورُ المضروبُ بـينهما جمعُ عُرف مستعار من عُرف الفرس وقيل: العرف ما ارتفع من الشيء فإنه بظهوره أعرفُ من غيره { رِجَالٌ } طائفةٌ من الموحدين قصّروا في العمل فيجلسون بـين الجنة والنارِ حتى يقضيَ الله تعالى فيهم ما يشاء، وقيل: قومٌ عَلَت درجاتُهم كالأنبـياء والشهداء والأخيارِ والعلماءِ من المؤمنين، أو ملائكةٌ يُرَون في صور الرجال { يَعْرِفُونَ كُلاًّ } من أهل الجنة والنار { بِسِيمَـٰهُمْ } بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبـياض الوجهِ وسوادِه، فِعْلىٰ من سام إبِلَه إذا أرسلها في المرعى مُعْلَمةً، أو مِنْ وَسَم، بالقلب، كالجاه من الوجه، وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو بتعليم الملائكة { وَنَادَوْاْ } أي رجالُ الأعراف { أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } حين رأوهم { أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } بطريق الدعاءِ والتحية أو بطريق الإخبارِ بنجاتهم من المكارة { لَمْ يَدْخُلُوهَا } حالٌ من فاعل نادَوْا أو من مفعوله وقوله تعالى: { وَهُمْ يَطْمَعُونَ } حال من فاعل يدخلوها أي نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم طامعين في دخولها مترقبـين له، أي لم يدخلوها وهم في وقت عدمِ الدخول طامعون.