{وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ} بعد أن استقر بكل من الفريقين القرارُ واطمأنت به الدار {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء} أي صُبّوه، وفي دَلالةٌ على أن الجنة فوق النار {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ} من سائر الأشربةِ ليُلائِمَ الإفاضة، أو من الأطعمة على أن الإفاضةَ عبارةٌ عن الإعطاء بكثرة {قَالُواْ} استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال كأنه قيل: فماذا قالوا؟ فقيل: قالوا: {إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ} أي منعهما منهم منعاً كلياً فلا سبـيل إلى ذلك قطعاً {ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} كتحريم البَحيرة والسائبةَ ونحوِهما والتصديةِ حولَ البـيت، واللهوُ صرفُ الهمِّ إلى ما لا يحسُن أن يُصْرفَ إليه، واللعبُ طلبُ الفرحِ بما لا يحسن أن يُطلب {وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا} بزخارفها العاجلةِ {فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ} نفعل بهم ما يفعل الناسي بالمنسيِّ من عدم الاعتدادِ بهم وتركِهم في النار تركاً كلياً، والفاء في فاليوم فصيحةٌ وقوله تعالى: {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا} في محل النصبِ على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ، أي ننساهم نسياناً مثلَ نسيانِهم لقاءَ يومِهم هذا حيث لم يُخطِروه ببالهم ولم يعتدّوا له، وقولُه تعالى: {وَمَا كَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ} عطفٌ على ما نسوا أي وكما كانوا منكرين بأنها من عند الله تعالى إنكاراً مستمراً.
{وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُمْ بِكِتَـٰبٍ فَصَّلْنَـٰهُ} أي بـيّنا معانيَه من العقائد والأحكامِ والمواعظ، والضميرُ للكفرة قاطبةً والمرادُ بالكتاب الجنسُ أو للمعاصِرين منهم والكتابُ هو القرآن {عَلَىٰ عِلْمٍ} حالٌ من فاعل فصلناه أي عالمين بوجه تفصيلِه حتى جاء حكيماً أو من مفعوله أي مشتملاً على علم كثير، وقرىء فضلناه أي على سائر الكتب عالمين بفضله {هُدًى وَرَحْمَةً} حال من المفعول {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم المغتنمون لآثاره المقتبسون من أنواره.