التفاسير

< >
عرض

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ
٨١
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٨٢
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ } خبرٌ مستأنفٌ لبـيان تلك الفاحشةِ وقرىء بهمزتين صريحتين وبتليـين الثانيةِ بغير مدَ وبمد أيضاً على أنه تأكيدٌ للإنكار السابقِ وتشديدٍ للتوبـيخ، وفي زيادة إنّ واللامِ مزيدُ توبـيخٍ وتقريعٍ، وكان ذلك أمرٌ لا يتحقق صدورُه عن أحد فيؤكد تأكيداً قوياً، وفي إيراد لفظِ الرجالِ دون الغِلمان والمُرْدان ونحوِهما مبالغةً في التوبـيخ وقوله تعالى: { شَهْوَةً } مفعول له أو مصدرٌ في موقع الحالِ، وفي التقيـيد بها وصفُهم بالبهيمية الصِّرْفة وتنبـيهٌ على أنّ العاقلَ ينبغي له أن يكون الداعيَ له المباشرَ طلبُ الولد وبقاءُ النوعِ لا قضاءُ الشهوةِ. ويجوز أن يكون المرادُ الإنكارَ عليهم وتقريعَهم على اشتهائهم تلك الفعلةَ الخبـيثةَ المكروهة كما ينبىء عنه قوله تعالى: { مّن دُونِ ٱلنّسَاء } أي متجاوزين النساءَ اللاتي هن محلُّ الاشتهاء كما ينبىء عنه قوله تعالى: { { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } [هود، الآية 78] { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } إضرابٌ عن الإنكار المذكورِ إلى الإخبار بحالهم التي أفضَتْهم إلى ارتكاب أمثالِها وهي اعتيادُ الإسرافِ في كل شيءٍ أو عن الإنكار عليها إلى الذم على جميع معايبِهم، أو عن محذوف أي لا عذرَ لكم فيه بل أنتم قومٌ عادتُكم الإسراف.

{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } أي المستكبرين منهم المتولين للأمر والنهي المتصدِّين للعقد والحل وقوله تعالى: { إِلاَّ أَن قَالُواْ } استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأشياء أي ما كان جواباً من جهة قومِه شيءٌ من الأشياء إلا قولُهم أي لبعضهم الآخرين المباشِرين للأمور معرضين عن مخاطبته عليه السلام { أَخْرِجُوهُم } أي لوطاً ومن معه من أهله المؤمنين { مّن قَرْيَتِكُمْ } أي إلا هذا القولُ الذي يستحيل أن يكون جواباً لكلام لوطٍ عليه السلام. وقرىء برفع جواب على أنه اسمُ كان و(إلا أن قالوا) الخ، خبرُها وهو أظهرُ وإن كان الأولُ أقوى في الصناعة لأن الأعرفَ أحقُّ بالاسمية.

وأياً ما كان فليس المرادُ أنه لم يصدُرْ عنهم بصدد الجوابِ عن مقالات لوطٍ عليه السلام ومَواعظِه إلا هذه المقالةُ الباطلةُ كما هو المتسارعُ إلى الإفهام بل أنه لم يصدُرْ عنهم في المرة الأخيرة من مرات المحاورات الجارية بـينهم وبـينه عليه السلام إلا هذه الكلمةُ الشنيعةُ، وإلا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثيرٌ من التُرَّهات حسبما حُكي عنهم في سائر السورِ الكريمة وهذا هو الوجهُ في نظائره الواردةِ بطريق القصر، وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } تعليلٌ للأمر بالإخراج، ووصفُهم بالتطهر للاستهزاء والسخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش والخبائث والافتخارِ بما هم فيه من القذارة كما هو ديدنُ الشُطّار والدُعّار.