التفاسير

< >
عرض

سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ
١
لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ
٢
مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ
٣
تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
٤
-المعارج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها أربع وأربعون

{ سَأَلَ سَائِلٌ } أي دَعَا داعٍ { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أي استدعاهُ وطلبَهُ وهُو النَّضرُ بنُ الحارثِ حيثُ قالَ إنكاراً واستهزاءً: { { إنْ كانَ هَذا هُو الحقَّ من عندِكَ فأمطرْ علينا حجارةً من السماءِ أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ } [الأنفال، الآية 32]، وقيلَ أبُو جهلٍ حيثُ قالَ أسقطْ علينا كسفاً من السماءِ، وقيلَ هو الحارثُ بنِ النعمانِ الفهريُّ وذلكَ أنَّه لما بلغَهُ قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في عليَ رضيَ الله عنهُ "من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ" قالَ اللهمَّ إنْ كانَ ما يقولُ محمدٌ حقاً فأمطرْ علينا حجارةً من السماءِ، فما لبثَ حَتَّى رماهُ الله تعالَى بحجرٍ فوقعَ على دماغِهِ فخرجَ من أسفلِهِ فهلكَ من ساعتِهِ، وقيلَ هُو الرسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ استعجلَ عذابَهُمْ. وقُرِىءَ سَأَلَ، وهو إمَّا من السؤالِ على لُغةِ قُريشٍ فالمَعْنَى ما مرَّ أو من السَّيلانِ، ويؤيدُهُ أنَّهُ قُرِىءَ سالَ سيلٌ أي اندفعَ وادٍ بعذابٍ واقعٍ. وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحققِ وقوعِهِ إمَّا في الدُّنيا وهو عذابُ بومِ بدرٍ فإنَّ النضرَ قُتِلَ يومئذٍ صَبْراً، وقد مرَّ حالُ الفهريِّ، وإمَّا في الآخرةِ فهو عذابُ النارِ والله أعلمُ. { لِلْكَـٰفِرِينَ } صفةٌ أُخرى لعذابٍ أي كائنٍ للكافرينَ، أو صلةٌ لواقعٍ، أو متعلقٌ بسألَ أي دَعَا للكافرينَ بعذابٍ واقعٍ. وقولُهُ تعالَى: { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } صفةٌ أُخرى لعذابٍ، أو حالٌ منهُ لتخصصِهِ بالصفةِ أو بالعملِ أو من الضميرِ في للكافرينَ على تقديرِ كونِهِ صفةً لعذابٍ أو استئنافٌ { مِنَ ٱللَّهِ } متعلقٌ بواقعٍ أو بدافعٌ أي ليسَ له دافعٌ من جهتِهِ تعالَى: { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } ذِي المصاعدِ التي يصعدُ فيها الملائكةُ بالأوامرِ والنَّواهِي أو هي عبارةٌ عن السمواتِ المترتبةِ بعضِهَا فوقَ بعضٍ { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } أي جبريلُ عليهِ السَّلامُ، أفردَ بالذكرِ لتميزِهِ وفضلِهِ وقيلَ الروحُ خلقٌ هم حفظة على الملائكةِ كما أنَّ الملائكةَ حفظةٌ على الناسِ. { إِلَيْهِ } إلى عرشِهِ تعالَى وإلى حيثُ تهبطُ منهُ أوامرُهُ تعالَى وقيلَ هو من قبـيلِ قولِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ: { { إِنّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبّى } [سورة الصافات، الآية 99] أي إلى حيثُ أمرنِي بهِ.

{ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } مما يعدُّه الناسُ وهو بـيانٌ لغايةِ ارتفاعِ تلكَ المعارجِ وبُعدِ مَداها على منهاجِ التمثيلِ والتخيـيلِ، والمَعْنَى أنَّها من الارتفاعِ بحيثُ لو قُدِّرَ قطعُها في زمانٍ لكانَ ذلكَ الزمانُ مقدارَ خمسينَ ألفَ سنةٍ من سِنِي الدُّنيا، وقيلَ معناهُ تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إلى عرشِهِ تعالَى في يومٍ كان مقدارُهُ كمقدارِ خمسينَ ألفَ سنةٍ أي يقطعونَ في يومٍ ما يقطعُهُ الإنسانُ في خمسينَ ألفَ سنةٍ لو فُرضَ ذلكَ، وقيلَ في يومٍ متعلقٌ بواقعٍ، وقيل بسال على تقديرِ كونِهِ من السَّيلانِ، فالمرادُ به يومُ القيامةِ، واستطالتُهُ إمَّا لأنَّه كذلكَ في الحقيقةِ أو لشدتِهِ على الكفارِ أوْ لكثرةِ ما فيهِ من الحالاتِ والمحاسباتِ، وأيَّاً ما كانَ فذلكَ في حقِّ الكافرِ وأمَّا في حقِّ المؤمنِ فلاَ، لِمَا رَوَى أبو سعيدٍ الخدريُّ رضيَ الله عنهُ أنَّه قيلَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما أطولَ هذا اليومَ، فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " "والذي نفسِي بـيدِهِ أنَّهُ ليخِفُّ على المؤمنِ حتى إنَّهُ يكونُ أخفَّ من صلاةٍ مكتوبةٍ يُصلِّيها في الدُّنيا" .