التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً
١٨
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً
١٩
قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً
٢٠
قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً
٢١
قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً
٢٢
إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً
٢٣
-الجن

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ } عطفٌ على قولِه تعالى أنَّه استمعَ أي وأُوحيَ إليَّ أنَّ المساجدَ مختصَّةٌ بالله تعالَى وقيلَ: معناهُ ولأنَّ المساجدَ لله { فَلاَ تَدْعُواْ } أي لا تعبدُوا فيَها { مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } غيرَه. وقيلَ: المرادُ بالمساجدِ المسجدُ الحرامُ والجمعُ لأنَّ كلَّ ناحيةٍ منْهُ مسجدٌ له قبلةٌ مخصوصةٌ أو لأنَّه قبلة المساجدِ وقيلَ: الأرضُ كلُّها لأنَّها جعلتْ مسجداً للنبـيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيلَ: مواضعُ السجودِ على أنَّ المرادَ نهيُ السجودِ لغير الله تعالَى وقيل: أعضاءُ السجودِ السبعةُ وقيلَ: السجداتُ على أنَّه جمعُ المصدرِ الميميِّ { وَأَنَّهُ } من جُملةِ المُوحَى أي وأُوحيَ إليَّ أنَّ الشأنَ { لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } أي النبـيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإيرادُه بلفطِ العبدِ للإشعارِ بَما هُو المُقتضِي لقيامِه وعبادتِه للتواضعِ لأنَّه واقعٌ موقعَ كلامِه عن نفسِه { يَدْعُوهُ } حالٌ من فاعلِ قامَ أي يعبدُه وذلكَ قيامُه لصلاةِ الفجرِ بنخلةَ كما مرَّ تفصيلُه في سورةِ الأحقافِ. { كَادُواْ } أي الجنُّ { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } متراكمينَ من ازدحامِهم عليه تعجباً ممّا شاهدُوا من عبادتِه وسمعُوا من قراءتِه واقتداءِ أصحابِه بهِ قياماً وركوعاً وسجوداً لأنَّهم رأوا ما لَم يَرَوا مثلَهُ وسمعُوا بما لم يسمعُوا بنظيرِه وقيلَ: معناهُ لمَّا قامَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يعبدُ الله وحدَهُ مخالفاً للمشركينَ كاد المشركون يزدحون عليه متراكمينَ واللِّبدُ جمعُ لبدةٍ وهيَ ما تلبَّد بعضُه على بعضٍ، ومنَها لبدةُ الأسدِ. وقُرِىءَ لبُدُا جمعُ لبدةٍ وهي بمعنى اللبدةِ ولُبَّد جمع لابدٍ كساجدٍ وسُجّدٍ ولُبْداً بضمتينِ جمعُ لَبُودٍ كصبُورٍ وصُبُرٍ وعن قتادةَ تلبدتِ الإنسُ والجنُّ على هذا الأمرِ ليطفئُوه فأبَى الله إلا أنْ يظهرَهُ على مَنْ ناوأه.

{ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو } أي أعبدُ { رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ } بربِّـي في العبادةِ { أَحَدًا } فليسَ ذلكَ ببدعٍ ولا مستنكرٍ يوجبُ التعجبَ أو الإطباقَ على عداوتِي. وقُرِىءَ قالَ على أنَّه حكايةٌ لقولِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ للمتراكمينَ عليهِ والأولُ هُو الأظهرُ والأوفقُ لقولِه تعالى: { قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } كأنَّه أريدَ لا أملكُ لكُم ضراً ولا نفعاً ولا غياً ولا رشداً فتركَ منْ كِلا المتقابلينِ ما ذُكِرَ في الآخر. { قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ } إنْ أرادني بسوءٍ { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } ملتجأً ومعدلاً هذا بـيانٌ لعجزِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عن شؤونِ نفسِه بعد بـيانِ عجزِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عن شؤونِ غيرِه. وقولُه تعالى: { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ } استئناءٌ من قولِه لا أملكُ، فإنَّ التبليغَ إرشادٌ ونفعٌ وما بـينهما اعتراضٌ مؤكدٌ لنفي الاستطاعة أو منْ مُلتحداً أي لنْ أجدَ من دونه منجاً إلا أنْ أُبلغَ عنه ما أَرسلنِي به، وقيلَ: إلاَّ مركبةٌ من إنِ الشرطيةِ ولا النافيةِ ومعناهُ أنْ لاَ أبلغَ بلاغاً من الله والجوابُ محذوفٌ لدلالة ما قبلَهُ عليهِ { وَرِسَـٰلَـٰتِهِ } عطفٌ على بلاغاً ومن الله صفتُه لا صلتُه أي لا أملكُ لكُم إلا تبليغاً كائناً منهُ تعالى ورسالاتِه التي أرسلني بها { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الأمرِ بالتوحيد إذ الكلامُ فيه { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } وقُرِىءَ بفتح الهمزة على معنى فحقُّه أو فجزاؤه أنَّ له نارَ جهنَم { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } في النار أو في جهنمَ والجمعُ باعتبار المَعْنى { أَبَدًا } بلا نهايةٍ.